فقال عبد الله بن عمر : فرأيت الرجل يحني على المرأة يقيها [ ص: 10 ] الحجارة .
35113 - قال مالك : يعني يحني يكب عليها حتى تقع الحجارة عليه .
35114 - قال أبو عمر : كذا رواه يحيى ، عن مالك ، يحني على المرأة . يريد : يميل عليها ، كأنه مأخوذ من حنى الشيخ ، إذا انحنى .
35115 - وقال أبو عبيد : كذا يرويه أهل الحديث ، وإنما هو : يجنأ مهموز ، يقال منه جنأ يجنأ جنأ وجنوءا ، إذا مال ، والمنحنئ ، والانحناء ، حنأ ويحنأ . بمعنى واحد .
[ ص: 11 ] 35116 - قال أبو عمر : قد روي : يحنئ بالحاء عن طائفة من أصحاب مالك ، والمعنى متقارب جدا .
35117 - وقال أيوب ، عن نافع : يحانئ عنها بيده .
35118 - وقال معمر ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، عن سالم ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : يجافي بيده .
35119 - وفي هذا الحديث جواز سؤال أهل الكتاب عن كتابهم ، وفى ذلك دليل على أن التوراة صحيحة بأيديهم ؛ ولولا ذلك ما سألهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنها .
35120 - وفيما ذكرنا دليل على أن ما كانوا يكتبونه بأيديهم ، ثم يقولون : هذا من عند الله ، هي كتب أحبارهم ورهبانهم ؛ كانوا يصنعون لهم كتبا من آرائهم ، ويضيفونها إلى الله عز وجل ؛ ولهذا ، وشبهه من إشكال أمرهم نهينا عن تصديق ما حدثونا به ، وعن تكذيبه ؛ حذرا من أن نصدق بباطل ، أو نكذب بحق ، وقد أفردنا لهذا المعنى بابا في كتابنا ( كتاب بيان العلم وفضله ) 0
35121 - وفي هذا الحديث أيضا دليل على أن من اليهود قوما يكذبون على توراتهم ، ويسترون منها عن المسلمين ما يشهد للمسلمين ، ويوافق دينهم ؛ لأنهم ذكروا أن الزناة - محصنين كانوا ، أو غير محصنين - ليس عليهم في التوراة رجم ، وكذبوا ؛ لأن فيها على من أحصن الرجم .
35123 - واختلف العلماء في الحكم بينهم ، إذا ترافعوا إلينا ، في خصوماتهم وسائر مظالمهم وأحكامهم ؛ هل علينا أن نحكم بينهم فرضا واجبا ؟ أم نحن فيه مخيرون ؟ . 35124 - فقال جماعة من فقهاء الحجاز ، والعراق ؛ إن الإمام ، والحاكم يخير ؛ إن شاء حكم بينهم إذا تحاكموا إليه بحكم الإسلام ، وإن شاء أعرض عنهم .
35126 - وممن قال ذلك ؛ مالك ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي أحد القولين .
35127 - وهو قول عطاء ، nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي ، والنخعي .
[ ص: 13 ] 35128 - وروي ذلك عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، من حديث nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق ، عن nindex.php?page=showalam&ids=15855داود بن الحصين ، عن عكرمة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، في قوله تعالى : ( فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم . . . ) الآية [ المائدة : 42 ] قال : نزلت في بنى قريظة ، وهي محكمة .
35129 - وذكر nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن سفيان ، عن مغيرة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي ، وإبراهيم : ( فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم ) الآية [ المائدة : 42 ] قال : إن شاء حكم ، وإن لم يشأ لم يحكم .
35130 - وروى عيسى ، عن ابن القاسم ، قال : إن تحاكم أهل الذمة إلى حكم المسلمين ، ورضي الخصمان به جميعا ، فلا يحكم بينهم إلا برضى من أساقفتهم ، فإن كره ذلك أساقفتهم ، فلا يحكم بينهم ، وكذلك إن رضي الأساقفة ، ولم يرض الخصمان ، أو أحدهما ، لم يحكم بينهم المسلمون .
3532 - وعن nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري ، عن قابوس بن أبي ظبيان ، عن أبيه ، قال : كتب محمد بن أبي بكر إلى علي - رضي الله عنه - يسأله عن مسلم زنى بنصرانية ، فكتب إليه : أقم الحد على المسلم ، ورد النصرانية إلى أهل دينها .
35133 - وقال آخرون : واجب على الحاكم أن يحكم بينهم بما أنزل الله إليه إذا تحاكموا إليه ، وزعموا أن قوله عز وجل : ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم ) الآية [ المائدة : 49 ] ناسخ للتخيير في الحكم بينهم في الآية التي قبل هذه .
35134 - وروي ذلك عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، من حديث nindex.php?page=showalam&ids=16006سفيان بن حسين ، والحكم ، عن مجاهد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
35135 - ومنهم من يرويه عن nindex.php?page=showalam&ids=16006سفيان بن حسين عن الحكم ، عن مجاهد من قوله ، وهو صحيح عن مجاهد ، وعكرمة .
[ ص: 15 ] 35136 - وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، nindex.php?page=showalam&ids=16673وعمر بن عبد العزيز ، والسدي .
35137 - وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه .
35138 - وهو أحد قولي nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي .
35139 - وبه قال أبو حنيفة ؛ قال : إذا جاءت المرأة والزوج ، فعليه أن يحكم بينهما بالعدل ، وإن جاءت المرأة وحدها ، ولم يرض الزوج ، لم يحكم .
35142 - ومنهم من قال : لا يحكم بينهما : إلا أن يرضيا جميعا بحكمه .
35143 - ولم يختلف قول مالك وأصحابه في الذمي يسرق الذمية ، ويرفع إلى حاكم المسلمين ، أنه يلزمه الحكم بينهما بالقطع للسارق منهما ؛ لأن ذلك من الحرابة والفساد ، فلا يقرون عليه ، ولا على التلصص .
35144 - وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : ليس الحاكم بالخيار ، في أحد من المعاهدين الذين يجري عليهم حكم الإسلام ، إذا جاءه في حد لله - عز وجل - وعليه أن يقيمه ؛ لقول الله عز وجل : ( وهم صاغرون ) الآية [ التوبة : 29 ] .
35146 - قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : وما كانوا يدينون به ، فلا يحكم عليهم بإبطاله ، إذا لم يرتفعوا إلينا ، ولا يكفوا عما استحلوا ، ما لم يكن ضررا على مسلم ، أو معاهد ، أو مستأمن .
35148 - قال أبو عمر : الصحيح في النظر - عندي - أن لا يحكم بنسخ شيء من القرآن ، إلا بما قام به الدليل ، الذي لا مدفع له ، ولا يحتمل التأويل ، وليس في قوله عز وجل : ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ) الآية [ المائدة : 49 ] دليل على أنها ناسخة لقوله عز وجل : ( فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط ) الآية [ المائدة : 42 ] ؛ لأنها تحتمل معناها أن تكون : وأن احكم بينهم بما أنزل الله ، إن حكمت ، ولا تتبع أهواءهم ، فتكون الآيتان محكمتين ، مستعملتين ، غير متدافعتين .
35149 - نقف على هذا الأصل في نسخ القرآن بعضه ببعض ؛ لأنه لا يصح إلا بإجماع لا تنازع فيه ، أو لسنة لا مدفع لها ، أو يكون التدافع في الآيتين غير ممكن فيهما استعمالهما ، ولا استعمال أحدهما ، أن لا يدفع الأخرى ، فيعلم أنها ناسخة لها ، وبالله التوفيق .
35151 - فقال مالك : إذا زنا أهل الذمة ، أو شربوا الخمر فلا يعرض لهم الإمام ، إلا أن يظهروا ذلك في ديار المسلمين ، فيدخلوا عليهم الضرر ، فيمنعهم السلطان من الإضرار بالمسلمين .
35152 - وإنما رجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اليهوديين ؛ لأنه لم يكن لليهود - يومئذ - ذمة ، وتحاكموا إليه .
35153 - وقال أبو حنيفة وأصحابه : يحدان إذا زنيا ، كحد المسلم .
35154 - وهو أحد قولي nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ؛ قال في كتاب الحدود : إن تحاكموا إلينا فلنا أن نحكم أو ندع ، فإن حكمنا حددنا المحصن بالرجم ؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجم يهوديين زنيا ، وجلدنا البكر مائة ، وغربناه عاما .
35155 - وقال في كتاب الجزية : لا خيار للإمام ، ولا للحاكم ، إذا جاءه في حد الله - عز وجل - وعليه أن يقيمه عليهم ؛ في قول الله - عز وجل : ( حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) الآية [ التوبة : 29 ] والصغار أن يجري عليهم حكم الإسلام .
35156 - وهذا القول ، اختاره المزني ، واختار غيره من أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي القول الأول .
35157 - وقال nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي ، حين ذكر قول مالك : إنما رجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 18 ] اليهوديين ؛ لأنه لم تكن لهم ذمة ، وتحاكموا إليه .
35158 - قال : ولو لم يكن واجبا عليهم ؛ لما أقامه النبي صلى الله عليه وسلم .
35159 - قال : وإذا كان من لا ذمة له ، قد حده النبي - صلى الله عليه وسلم - في الزنا ، فمن له ذمة أحرى بذلك .
35164 - واحتجوا بحديث nindex.php?page=showalam&ids=48البراء بن عازب في ذلك ، وقد ذكرناه في " التمهيد " ، وليس فيه بيان ما ذكروا ، ولا يثبت ما ادعوا .
[ ص: 19 ] 35165 - واحتجوا أيضا بحديث مالك ، وليس فيه أن اليهود تحاكموا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهذا ليس بشيء ؛ لأن فيه أن اليهود جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يأتوا إلا متحاكمين إليه ، راضين بحكمه ، وهم كانوا الذين إليهم إقامة الحدود عندهم ، ودعوه إلى الحكم بينهم ، وجاءوه بالتوراة إذ دعاهم إليها .
35166 - ويدل على ذلك أيضا حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، من رواية nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب ، وغيره وعن رجل من مزينة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، وقد ذكرناه بطوله من طرق في " التمهيد " .
35171 - وأخبرنا أحمد بن عبد الله ، قال : حدثنا الحسن بن إسماعيل ، قال : حدثني عبد الملك بن محمد ، قال : حدثني محمد بن إسماعيل السائغ ، قال : حدثني nindex.php?page=showalam&ids=16061سنيد ، عن هشيم ، عن nindex.php?page=showalam&ids=14835العوام بن حوشب ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12402إبراهيم التيمي ؛ وإن حكمت بينهم ، فاحكم بالقسط ، يعني بالرجم .