الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
[ ص: 10 ] ( 2 ) باب العمل في الدية

1580 - مالك أنه بلغه ، أن عمر بن الخطاب قوم الدية على أهل القرى ، فجعلها على أهل الذهب ألف دينار ، وعلى أهل الورق اثني عشر ألف درهم ، قال مالك : فأهل الذهب أهل الشام وأهل مصر ، وأهل الورق أهل العراق .

1581 - قال مالك : وسمعت أن الدية تقطع في ثلاث سنين أو أربع سنين .

قال مالك : والثلاث أحب ما سمعت إلي في ذلك . قال مالك : الأمر المجتمع عليه عندنا ، أنه لا يقبل من أهل القرى ، في الدية ، الإبل ، ولا من أهل العمود الذهب ولا الورق ، ولا من أهل الذهب ، الورق ، ولا من أهل الورق ، الذهب .


[ ص: 11 ] 36590 - قال أبو عمر : اختلف عن عمر - - رضي الله عنه - - في تقويم الدية ، فروى أهل الحجاز عنه ، أنه قومها ، كما ذكر مالك عنه ، اثني عشر ألف درهم من الورق .

36591 - وروى أهل العراق عنه ، أنه قومها - وبعضهم يقول : جعلها عشرة آلاف درهم .

36592 - وروى ابن المبارك ، وعبد الرزاق ، عن معمر ، عن عمرو بن عبد الله ، عن عكرمة ، أن عمر بن الخطاب قضى بالدية على أهل القرى ، اثني عشر ألف درهم .

36593 - وروى هشيم ، عن يونس ، عن الحسن ، أن عمر بن الخطاب ، قوم الإبل في الدية ، مائة من الإبل ، وقوم كل بعير بمائة وعشرين درهما ، اثني عشر ألف درهم .

36594 - وأما رواية أهل العراق في ذلك عن عمر ، فروى وكيع ، عن ابن أبي ليلى ، أنه حدثه عن الشعبي ، عن عبيدة السلماني ، قالا : وضع عمر الديات ، فوضع على أهل الذهب ألف دينار ، وعلى أهل الورق عشرة ألاف درهم ، وعلى أهل الإبل مائة من الإبل ، وعلى أهل البقر مائتي بقرة مسنة ، وعلى أهل الشاء ألفي شاة ، وعلى أهل الحلل مائتي حلة .

[ ص: 12 ] 36595 - قال أبو عمر : لم تختلف الروايات عن عمر في الذهب ، أن الدية منه ألف دينار ، ولا اختلف فيه العلماء ، قديما ولا حديثا ، وقد روي ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في كتاب عمرو بن حزم .

36596 - وقد جاء عن عمرو بن شعيب خلاف ذلك ، ولا يصح ، وسنذكره إن شاء الله عز وجل .

36597 - وأما الورق ، فلا اختلاف في مبلغ الدية منه قديما وحديثا ، وليس لأهل العراق فيه شيء غير ما ذكروا عن عمر مع أهل الحجاز فيه آثار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، رواه سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة ، قال : قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - لرجل من الأنصار ، قتله مولى لبني عدي ، بالدية اثني عشر ألف درهم ، وفيهم نزلت : ( وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله ) [ التوبة : 74 ] .

36598 - وقد روى هذا الحديث محمد بن مسلم الطائفي ، وأسنده عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قضى بالدية في الخطأ اثني عشر ألف درهم " .

36599 - وروى عثمان بن عفان ، وعلي بن أبي طالب ، وعبد الله بن عباس - - رضي الله عنهم - الدية من الورق اثنا عشر ألف درهم .

[ ص: 13 ] 36600 - وروى وكيع ، عن سفيان ، عن أيوب بن موسى ، عن مكحول ، عن عمر مثله .

36601 - وهو مذهب الحجازيين ، وروايتهم عن عمر .

36602 - وقال مالك ، وأبو حنيفة ، والليث بن سعد : لا يأخذ في الدية إلا الإبل والذهب أو الورق ، لا غير .

36603 - وهو أحد قولي الشافعي .

36604 - وقال أبو يوسف ، ومحمد : يأخذ أيضا في الدية البقر ، والشاء ، والحلل ، على ما روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه .

36605 - وهو قول الفقهاء السبعة المدنيين .

36606 - وذكر أبو بكر بن أبي شيبة ، عن عبد الرحيم بن سليمان ، عن محمد بن إسحاق عن عطاء ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وضع الدية على الناس في أموالهم ما كانت على أهل الإبل مائة بعير ، وعلى أهل الشاء ألفي شاة ، وعلى أهل البقر مائتي بقرة وعلى أهل البرود مائتي حلة .

36607 - وهو قول عطاء ، والزهري ، وقتادة .

36608 - وأخبرنا عبد الله ، قال : حدثني محمد ، قال : حدثني أبو داود ، قال : حدثني سعيد بن يعقوب ، قال : حدثني أبو تميلة ، قال : حدثني محمد بن إسحاق ، قال : ذكر عطاء ، عن جابر قال : " فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الدية على أهل [ ص: 14 ] الإبل . . " فذكر مثل حديث ابن أبي شيبة . 36609 - وقال الشافعي بمصر : لا يأخذ من الذهب ، ولا من الورق إلا قيمة الإبل بالغا ما بلغت .

36610 - وقوله : بالعراق . مثل قول مالك .

36611 - وذكر المزني ، عن الشافعي ، أنه قال : العلم محيط ، لأن تقويم عمر الإبل إنما قومها بقيمة يومها ، فاتباع عمر أن تقوم الإبل بالغا ما بلغت ، إذا وجبت فأعوزت ، لأن تقويمه لم يكن إلا للإعواز ، لأنه لا يكلف القروي إبلا ، كما لا يكلف الأعرابي ذهبا ولا ورقا ، لأنه لا يجدها ، كما لا يجد الحضري الإبل .

36612 - قال : ولا تقوم إلا بالدنانير والدراهم دون الشاء والبقر ، فلو جاز أن تقوم بالشاء والبقر والحلل ، قوماها على أهل الخيل بالخيل ، وعلى أهل الطعام بالطعام .

36613 - وهذا لا يقوله أحد .

36614 - قال المزني : قد كان قوله القديم : على أهل الذهب ألف دينار ، وعلى أهل الورق اثنا عشر ألف درهم ، من غير مراعاة لقيمة الإبل ، ورجوعه عن القديم إلى ما قاله في الجديد أشبه بالسنة .

36615 - ذكر أبو بكر ، قال : حدثني أبو أسامة ، عن محمد بن عمرو ، قال : كتب عمر بن عبد العزيز ، إلى أمراء الأجناد : إن الدية كانت على عهد رسول [ ص: 15 ] الله - صلى الله عليه وسلم - مائة بعير . قال : فإن كان الذي أصابه الأعرابي ، فديته من الإبل ، لا يكلف الأعرابي الذهب ، ولا الورق ، فإن لم يجد الأعرابي مائة من الإبل ، فعدلها من الشاء ألفا شاة .

36616 - وروى معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، قال : الدية مائة من الإبل ، وقيمتها من غيرها .

36617 - وروى حفص بن غياث ، عن أشعث عن الحسن أن عمر ، وعثمان - - رضي الله عنهما - قوما الدية ، وجعلا ذلك إلى المعطي ، إن شاء كانت الدية الإبل بالإبل ، وإن شاء بالقيمة .

36618 - وذكر عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، قال : كانت الدية الإبل حتى كان عمر بن الخطاب ، فجعلها لما غلت الإبل كل بعير بمائة وعشرين درهما .

36619 - حدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثني محمد ، قال حدثنا أبو داود ، قال حدثني يحيى بن حكيم ، قال : حدثني عبد الرحمن بن عثمان ، قال : حدثني حسين المعلم ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، قال : كانت الدية على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثمانمائة دينار أو ثمانية آلاف درهم ، ودية أهل [ ص: 16 ] الكتاب على النصف من دية المسلمين . قال : فكان ذلك حتى استخلف عمر ، فقام خطيبا ، فقال : " ألا إن الإبل قد غلت " ، ففرضها عمر على أهل الذهب ألف دينار ، وعلى أهل الورق اثني عشر ألف درهم ، وعلى أهل البقر مائتي بقرة ، وعلى أهل الشاء ألفي شاة ، وعلى أهل الحلل مائتي حلة ، وترك دية أهل الذمة ، لم يرفع فيها فيما رفع من الدية .

36620 - قال أبو عمر : هذا الحديث يرويه غير حسين المعلم ، عن عمر بن شعيب ، لا يتجاوزه به ، لا يقول فيه : عن أبيه ، عن جده ، على أن للناس في حديثه عن أبيه ، عن جده اختلافا ، منهم من لا يقبله ، لأنه صحيفة عندهم ، لا سماع ومنهم من يقبله .

36621 - وروى معمر ، عن الزهري ، قال : كانت الدية على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مائة بعير ، لكل بعير أوقية ، فذلك أربعة آلاف ، فلما كان عمر ، غلت الإبل ، ورخصت الورق ، فجعلها عمر أوقية ونصفا ، ثم غلت الإبل ، ورخصت الورق ، فجعلها عمر أوقيتين ، وذلك ثمانية آلاف ، ثم لم تزل الإبل تغلو ، وترخص ، حتى جعلها عمر اثني عشر ألفا ، أو ألف دينار ، ومن البقر مائتي بقرة ، ومن الشاء ألفي شاة .

36622 - قال عبد الرزاق : كل بعير ببقرتين مسنتين .

36623 - قال أبو عمر : الحجة لمالك ، ومن قال بقوله ، أن الدية من الذهب [ ص: 17 ] ألف دينار ، ومن الورق اثنا عشر ألف درهم ، أو عشرة آلاف ، على ما رواه أهل العراق ، عن عمر ، وأن ما فرضه عمر من ذلك أصل ، لا بدل من الإبل ، لأن عمر جعله في ثلاث سنين ، فلو كانت بدلا ، لكانت دينا بدين فثبت أنها ديات في أنفسها .

36624 - وأما قول مالك ، في هذا الباب ، أنه سمع أن الدية تقطع في ثلاث سنين ، أو أربع سنين قال مالك : والثلاث أحب ما سمعت إلي في ذلك .

36625 - قال أبو عمر : هذا ما لا خلاف فيه بين العلماء ، أن الدية في الخطأ على العاقلة ، في ثلاث سنين ، على ما ورد عن عمر - رضي الله عنه - .

36626 - والذي سمع مالك ، في أربع سنين شذوذ .

36627 - والجمهور على ثلاث سنين .

36628 - روى المعرور بن سويد ، عن عمر ، قال : الدية في ثلاث سنين .

36629 - وذكر أبو بكر ، قال : حدثني عبد الرحيم بن سليمان ، عن الأشعث ، عن الشعبي ، وعن الحكم ، عن إبراهيم ، قالا : أول من فرض العطاء عمر بن الخطاب ، وفرض فيه الدية كاملة في ثلاث سنين ، وثلثي الدية في سنتين ، والنصف أيضا في سنتين ، والثلث في سنة .

36630 - قال : وحدثني أبو بكر بن عياش ، عن مغيرة ، عن إبراهيم مثله .

[ ص: 18 ] 36631 - قال : وحدثني محمد بن يزيد ، عن أيوب أبي العلاء ، عن قتادة وأبي هاشم ، قالا : الدية في ثلاث سنين ، وثلثاها ، ونصفها في سنتين ، والثلث في سنة .

36632 - قال : وحدثني وكيع ، عن حريث ، عن الشعبي ، قال : الدية في ثلاث سنين ، في كل سنة ثلث .

36633 - وذكر عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن أشعث ، عن الشعبي ، أن عمر ، جعل الدية في الأعطية ، في ثلاث ، والنصف والثلثين في سنتين ، والثلث في سنة ، وما دون الثلث ، فهو من عامه .

36634 - وأخبرنا الثوري ، عن أيوب بن موسى ، عن مكحول ، أن عمر ، جعل الدية . . فذكر مثله سواء .

36635 - قال : وأخبرنا ابن جريج ، قال : أخبرت عن أبي وائل ، عن عمر مثله .

36636 - قال معمر : وسمعت عبيد الله بن عمر يقول : تؤخذ الدية في ثلاث سنين .

[ ص: 19 ] 36637 - قال أبو عمر : إنما هذا كله في دية الخطأ الواجبة بالسنة على العاقلة ، وأما دية العمد ، إذا قبلت : ففي مال الجاني ، عند مالك ، وغيره .

36638 - ورأي مالك ، أن نصف الدية يجتهد فيها الإمام ، في سنتين ونصف ، وثلاثة أرباع الدية عنده ، في ثلاث سنين .

36639 - قال أبو عمر : إنما قال مالك إنه لا يقبل من أهل القرى في الدية الإبل ، ولا من أهل العمود الذهب ولا الورق ، ولا من أهل الذهب الورق ، ولا من أهل الورق الذهب ، لأنه لو كان دخله ، فالدين بالدين ، لأن أصل الدية عنده ذهب على أهل الذهب ، وورق على أهل الورق ، وإبل على أهل الإبل ، لأنها بدل من الإبل ، على ما وصفنا ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية