[ ص: 9 ] 5637 - فيه الندب إلى الاغتسال يوم الجمعة ، والأحاديث في غسل الجمعة كثير جدا ، منها ما ظاهره الوجوب ، ومنها ما هو ندب ، وسنبين معنى ذلك كله في هذا الباب .
5638 - وأما ذكره فيه الساعات الخمس ، وأن الصلاة كانت في السادسة فإن أهل العلم مختلفون في تلك الساعات :
5644 - وأما مالك فذكر يحيى بن عمر ، عن حرملة أنه سأل ابن وهب عن تفسير هذه الساعات : أهو الغدو من أول ساعات النهار ، أو إنما أراد بهذا القول ساعات الرواح ؟
5645 - فقال ابن وهب : سألت مالكا عن هذا فقال : أما الذي يقع في قلبي فإنه إنما أراد ساعة واحدة تكون فيها هذه الساعات : من راح في أول تلك الساعة أو الثانية أو الثالثة أو الرابعة أو الخامسة ، ولو لم يكن كذلك ما صليت الجمعة حتى يكون النهار تسع ساعات في وقت العصر ، أو قريبا من ذلك .
[ ص: 11 ] 5646 - وكان ابن حبيب ينكر قول مالك هذا ، ويميل إلى القول الأول .
5647 - وقال : قول مالك هذا تحريف في تأويل الحديث ، ومحال من وجوه .
5648 - قال : وذلك أنه لا تكون ساعات في ساعة واحدة .
5649 - قال : والشمس إنما تزول في الساعة السادسة من النهار ، وهو وقت الأذان ، وخروج الإمام إلى الخطبة ; فدل ذلك على أن الساعات المذكورات في هذا الحديث هي ساعات النهار المعروفات ، فبدأ بأول ساعات النهار فقال : من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة ، ثم قال في الخامسة : بيضة ، ثم انقطع التهجير ، وحان وقت الأذان .
5650 - قال : فشرح الحديث بين في لفظه ، ولكنه حرف عن موضعه ، وشرح بالخلف من القول وما لا يتكون ، وزهد شارحه الناس فيما رغبهم فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من التهجير في أول النهار ، وزعم أن ذلك كله إنما يجتمع في ساعة واحدة قرب زوال الشمس .
5651 - قال : وقد جاءت الآثار بالتهجير إلى الجمعة في أول النهار ، وقد سقنا ذلك في موضعه من كتاب " واضح السنن " بما فيه بيان وكفاية .
5652 - هذا كله قول ابن حبيب .
5653 - قال أبو عمر : هذا كله تحامل منه على مالك ، فهو الذي [ ص: 12 ] قال القول الذي أنكره ، وجعله خلفا من القول ، وتحريفا من التأويل .
5654 - والذي قاله مالك تشهد له الآثار الصحاح من رواية الأئمة ، ويشهد له أيضا العمل بالمدينة عنده ، وهذا مما يصح فيه الاحتجاج بالعمل ; لأنه أمر متردد كل جمعة لا يخفى على عامة العلماء .
5656 - وقد ذكرنا الإسناد إلى nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري في " التمهيد " من طرق جلبنا فيها الاختلاف عنه فيه ، وقد ذكرناه عن غيره أيضا من وجوه .
5661 - وفي بعضها ما يدل على أنه جعل الرائح إلى الجمعة في أول الساعة كالمهدي بدنة ، وفي آخرها كذلك ، وفي أول الساعة الثانية كالمهدي بقرة ، وفي آخرها كذلك .
5662 - وهذا كله مذكور في " التمهيد " والحمد لله .
5663 - وقال بعض أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : لم يرد النبي - عليه السلام - بالمهجر إلى الجمعة كالمهدي بدنة الناهض إليها في الهجير والهاجرة ، وإنما أراد بذلك التارك لأشغاله وأعماله من طلب الدنيا للنهوض إلى الجمعة كالمهدي بدنة ، وذلك مأخوذ من الهجرة ، وهي ترك الوطن والنهوض إلى الله ، ومنه سمي المهاجرون .
5664 - وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : أحب التبكير إلى الجمعة ، ولا تؤتى إلا مشيا .
5665 - وأما قوله في حديث مالك : " nindex.php?page=hadith&LINKID=952451حضرت الملائكة يستمعون الذكر " [ ص: 14 ] فالذكر هنا : الخطبة ، وقد بين ذلك في حديث nindex.php?page=showalam&ids=15990ابن المسيب عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة - قوله : " يستمعون الخطبة " .
5666 - وقد استدل nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وأصحابه بحديث هذا الباب في تفضيل البدن على البقر ، والبقر على الضأن في الضحايا والهدايا .
5667 - وهذا موضع اختلف فيه الفقهاء :
5668 - فقال مالك وأصحابه : أفضل الضحايا فحول الضأن ، وإناث الضأن أفضل من فحول المعز ، وفحول المعز أفضل من إناثها ، وإناث المعز أفضل من الإبل والبقر في الضحايا .
5669 - واحتج بعضهم في ذلك بقوله تعالى : " وفديناه بذبح عظيم " ( سورة الصافات : 107 ) وذلك كبش لا جمل ولا بقرة .
5670 - وقال بعضهم : لو علم الله حيوانا أفضل من الكبش لفدى به إسحاق ، وضحى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكبشين أملحين ، وأكثر ما ضحى بالكباش .
5671 - وذكر nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة عن nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، عن ليث ، عن مجاهد قال : الذبح العظيم : الشاة .
5673 - وهذا حديث لا أعلم له إسنادا غير هذا ، انفرد به الحنيني ، وليس ممن يحتج به .
5674 - قال أبو عمر : " الكبش أول قربان تقبله الله من أحد ابني آدم ، ثم فدى بمثله الذبيح ، وحسبك بهذا كله فضلا " .
[ ص: 16 ] 5675 - وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : الإبل أحب إلي أن يضحى بها من البقر ، والبقر أحب إلي من الغنم ، والضأن أحب إلي من المعز .
5676 - وقال أبو حنيفة وأصحابه : الجزور في الأضحية أفضل ما ضحي به ، ثم يتلوه البقر ، ثم يتلوه الشاء .
5677 - ومن حجة من ذهب إلى هذا حديث هذا الباب وما كان مثله في تقديم البدن في الفضل مما يتقرب به إلى الله قوله : " فكأنما قرب بدنة ، ثم بقرة ، ثم كبشا حتى الدجاجة والبيضة " وإجماعهم على أن أفضل الهدايا الإبل ، فكان هذا الإجماع يقضي على ما اختلفوا فيه من الضحايا لأنها نسكان : شريعة ، وقربان .
5678 - وقد قالوا أيضا : ما استيسر من الهدي : شاة ، فدل على نقصان ذلك عن مرتبة ما هو أعلى منه .
5680 - ومعلوم أن الإبل أنفس وأغلى عند الناس من الغنم .
5681 - قال : وأما قوله تعالى : " وفديناه بذبح عظيم " ( سورة الصافات : 107 ) فجائز أن يطلق عليه عظيم لما ذكر عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : أنه رعى في الجنة أربعين خريفا ، وأنه الذي قربه ابن آدم فتقبل منه ، ورفع إلى الجنة ; فلهذا قال فيه : " عظيم " والله أعلم .