41083 - قال أبو عمر : كأن مالكا - رحمه الله - يجعل الحديث الثاني في هذا الباب تفسيرا للأول .
41084 - والمعنى أن الجماعة - وأقلها ثلاثة - لا يهم بهم الشيطان ، ويبعد عنهم - وإنما سمي الواحد شيطانا ، والاثنان شيطانان ; لأن الشيطان في أصل اللغة ; هو البعيد من الخير ، من قولهم : نوى شطون ، أي بائنة بعيدة ، فالمسافر وحده يبعد عن خير الرفيق وعونه ، والأنس به ، وتمريضه ، ودفع وسوسة النفس [ ص: 267 ] بحديثه ، ولا يؤمن على المسافر وحده أن يضطر إلى المشي بالليل ، فتعترضه الشياطين المردة هازلين ومتلاعبين ومفزعين .
41085 - وقد بلغنا ذلك عن جماعة المسافرين إذا سافروا منفردين ، وكذلك الاثنان ; لأنه إذا مر أحدهما في حاجتهما ، بقي الآخر وحده ، فإن شردت دابته أو نفرت ، أو عرض له في نفسه أو حاله شيء ، لم يجد من يعينه ، ولا من يكفيه ، ولا من يخبر عنه بما يطرقه ، فكأنه قد سافر وحده ، وإذا كانوا ثلاثة ، ارتفعت العلة المخوفة في الأغلب ; لأنه لا يخرج الواحد مرة في الحاجة ، ويبقى الاثنان ، ثم يخرج الآخر مرة أخرى ، ويبقى الاثنان ، يكون هذا دأبا في الأغلب في أمورهم ، وإن خرج الاثنان ، لم يطل مكث الواحد وحده . هذا ونحوه ، والله أعلم بما أراد رسوله بقوله ذلك - صلى الله عليه وسلم - .
41092 - وقد عرضت nindex.php?page=showalam&ids=12لعبد الله بن عمر قصة شنعاء في سفر سافره وحده ، فرأى رجلا خارجا من قبر يتأجج نارا ، في عنقه سلسلة يناديه : يا عبد الله ، اسقني ماء ، إذ خرج رجل بإثره من القبر ، فقال : يا عبد الله ، لا تسقه ، فإنه كافر ، ثم جبذه بالسلسلة فأدخله القبر ، ثم قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له ، فنهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يسافر الرجل وحده .
41093 - وقد ذكرنا هذا الخبر بإسناده وتمامه في " التمهيد " .