[ ص: 328 ] ثم التفت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أبي بكر فقال : " إن الشيطان أتى بلالا وهو قائم يصلي فأضجعه ، فلم يزل يهدئه كما يهدأ الصبي حتى نام " ثم دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلالا ، فأخبر بلال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل الذي أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر ، فقال أبو بكر : أشهد أنك رسول الله " .
825 - وقد ذكرنا هذا الحديث متصلا مسندا من وجوه كثيرة في " التمهيد " بمعان متقاربة .
[ ص: 329 ] 826 - وفيها ما يدل على أن نومه - عليه السلام - كان منه مرة واحدة .
827 - ويحتمل أن يكون مرتين ; لأن في حديث nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود : أنا أوقظكم .
828 - وقد يمكن أن رسول الله لم يجبه إلى ذلك ، وأمر بلالا أن يوقظهم ; لأن في أكثر الأحاديث أن بلالا كان موكلا بذلك على ما في حديثي مالك .
829 - وفي بعض الأحاديث أن ذلك النوم كان منه - عليه السلام - زمن الحديبية ، وفي بعضها : زمن خيبر ، وفي بعضها : بطريق مكة .
830 - ويشبه أن يكون كل واحدا ; لأن عمرة الحديبية كانت زمن خيبر وهو طريق مكة لمن شاء ، ويجوز أن يكون غير ذلك ، والله أعلم .
831 - وأما قول nindex.php?page=showalam&ids=16572عطاء بن يسار : إن ذلك كان في غزوة تبوك فليس بشيء ، وأحسبه وهما ، والله أعلم .
832 - وقد ذكرنا الآثار بذلك في " التمهيد " وقد مضى معنى : التعريس ، وكثير من معاني ألفاظ هذا الحديث فيما تقدم من القول في الحديث الذي قبله .
[ ص: 330 ] 834 - وهذا القول منه لما رأى من فزعهم دليل على أن فزعهم لم يكن من أجل عدو يخشونه ، ولو كان فزعهم من العدو كما زعم بعض أصحابنا ممن فسر الموطأ : أن فزعهم كان من خوف العدو لما قال لهم هذا القول .
835 - والوجه عندي في فزعهم أنه كان وجلا وإشفاقا على ما قدمنا ذكره ، ولم يكونوا علموا سقوط المأثم عن النائم ، وعدوه تفريطا .
837 - وقد ذكرنا الخبر بذلك فيما مضى من هذا الباب .
838 - وقد تقدم خروجهم من هذا الوادي ، وما ذهب إليه أهل الحجاز وأهل العراق في ذلك .
839 - وفي حديث nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب : " فاقتادوا رواحلهم " .
840 - وفي حديث nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم : " فركبوا حتى خرجوا من ذلك الوادي " .
841 - وهذا يحتمل أن يكون بعضهم اقتاد راحلته ، وبعضهم ركب على ما فهموا من أمره بذلك كله ; لأن في حديث nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب " فاقتادوا " وفي حديث nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم " فركبوا " .
[ ص: 331 ] 842 - وليس في ذلك تعارض ولا تدافع ، وممكن أن يجري من القول ذلك كله .
844 - قال nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : فقلت nindex.php?page=showalam&ids=16568لعطاء بن أبي رباح : أي سفر كان ؟ قال : لا أدري .
845 - قال أبو عمر : في سيره - عليه السلام - بعد أن ركع ركعتي الفجر أوضح دليل على أن خروجه من ذلك الوادي ، وتركه للصلاة كان لبعض ما وصفنا في الحديث قبل هذا ، لا لأنه انتبه حين بدا حاجب الشمس كما زعم أهل الكوفة ; لأنه معلوم أن الوقت الذي تحل فيه صلاة النافلة والصلاة المسنونة أحرى أن تحل فيه صلاة الفريضة .
846 - واختلف القائلون بقول الحجازيين : فقال بعضهم : من نام عن الصلاة في سفره ثم انتبه بعد خروج الوقت لزمه الزوال عن ذلك الموضع .
847 - وإذا كان واديا خرج عنه لقوله - عليه السلام - : اركبوا واخرجوا من هذا الوادي ، إن ( الشيطان ) هدأ بلالا كما يهدأ الصبي .
849 - وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " لما أتى وادي ثمود أمر الناس فأسرعوا وقال : هذا واد ملعون . وقد روي أنه أمر بالعجين الذي عجن بماء ذلك الوادي فطرح " .
850 - وقال آخرون منهم : أما ذلك الوادي وحده إن علم وعرض فيه مثل ذلك العارض فواجب الخروج منه على ما صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأما سائر المواضع فلا .
851 - وذلك الموضع وحده مخصوص بذلك ; لأن الله تعالى قال : " وأقم الصلاة لذكري " .
853 - ولم يخص الله ولا رسوله موضعا من المواضع إلا ما جاء في ذلك الوادي خاصة .
[ ص: 333 ] 854 - وقال آخرون : كل من انتبه من نوم ، أو ذكر بعد نسيان ، أو ترك صلاة عمدا ثم ثاب إلى أدائها ، فواجب على كل واحد منهم أن يقيم صلاته تلك بأعلى ما يمكنه في كل موضع ذكرها فيه : واديا كان ، أو غير واد .
855 - وذلك أن الموضع الطاهر ( في واد تؤدى الصلاة فيه ) وسواء ذلك الوادي وغيره ; لأن قوله - عليه السلام - : " إن هذا واد به شيطان " خصوص له لا يشركه فيه غيره ; لأنه كان يعلم من حضور الشياطين بالمواضع ما لا يعلم غيره ، ولعل ذلك الوادي لم يحضره ذلك الشيطان إلا في ذلك الوقت .
861 - ولا يجوز أن ينسخ بغيره ; لأن ذلك من فضائله - عليه السلام - وفضائله لا يجوز عليها النسخ ; لأنها لم تزل تترى به حتى مات ولم يبتز شيئا منها ، بل كان يزاد فيها .
862 - ألا ترى أنه كان عبدا غير نبي ، ثم نبأه الله ، ثم أرسله فصار رسولا نبيا ، ثم غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، ووعده أن يبعثه المقام المحمود الذي يبين به فضله عن سائر الأنبياء قبله ؟
[ ص: 336 ] 863 - وفي كل ما قلنا من ذلك جاءت الآثار عنه - عليه السلام - قال : " كنت عبدا قبل أن أكون نبيا ، وكنت نبيا قبل أن أكون رسولا " .
864 - ومما يوضح ما قلنا أنه - صلى الله عليه وسلم - قد أخبر الله عنه في أول أمره أنه قال : " وما أدري ما يفعل بي ولا بكم " ( الأحقاف : 9 ) .
875 - وقد ذكرنا في " التمهيد " اختلاف الفقهاء في الصلاة في المقبرة والحمام ، وأتينا بالحجة من طريق الآثار والاعتبار على من قال : إنها مقبرة المشركين في باب " مرسل nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم " من " التمهيد " والحمد لله .
876 - ولما لم يجز أن يقال في نهيه عن الصلاة في المزبلة ، والمجزرة ، والمقبرة ، والحمام ، ومحجة الطريق ، ومعاطن الإبل ، مزبلة كذا ، [ ص: 340 ] ولا مجزرة كذا ، ولا حمام كذا ، فكذلك لا يجوز أن يقال : مقبرة كذا ، ولا أن يقال : مقبرة المشركين ، فلا حجة ولا دليل .
877 - وأقام الدليل على أن مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بناه في مقبرة المشركين .
878 - وقد أوضحنا هذا الحديث بما فيه كفاية في باب " مرسل nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم " من " التمهيد " .
879 - وأما قوله في مرسل حديث زيد هنا : " ثم أمر بلالا أن يؤذن أو يقيم " فهكذا رواه مالك على الشك .
880 - وقد مضى ما للعلماء من التنازع والأقوال في الأذان للفوائت من الصلوات في الحديث قبل هذا .
881 - ومضى المعنى في النفس والروح فلا معنى لإعادة ذلك هنا .
884 - وقول nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ومن تابعه في إسقاط وجوب الترتيب في ذلك ، وتأويل الحديث عندهم وما ذهب إليه كل فريق منهم ، ووجوه أقوالهم ، وتلخيص مذاهبهم ، كل هذا في هذا الباب مجود ، والحمد لله ، فلا معنى لإعادة شيء من ذلك هنا ، والله الموفق للصواب .