الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
427 - وأما حديثه في هذا الباب ; أنه بلغه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول " إذا أنشأت بحرية ثم تشاءمت فتلك عين غديقة " .


[ ص: 161 ] 10023 - هذا الحديث لا أعرفه بوجه من الوجوه في غير " الموطأ " ومن ذكره إنما ذكره عن مالك في " الموطأ " إلا ما ذكره الشافعي في كتاب الاستسقاء عن إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى ، عن إسحاق بن عبد الله : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا أنشأت بحرية ثم استحالت شامية فهو أمطر لها " .

10024 - وابن أبي يحيى مطعون عليه متروك .

10025 - وإسحاق بن عبد الله هو ابن أبي فروة ضعيف أيضا ، متروك الحديث .

10026 - وهذا الحديث لا يحتج به أحد من أهل العلم بالحديث ; لأنه ليس له إسناد .

10027 - وقال الشافعي في حديثه هذا : بحرية ( بالنصب ) .

10028 - كأنه يقول : إذا ظهرت السحاب بحرية من ناحية البحر .

10029 - ومعنى نشأت : ظهرت وارتفعت . يقال : أنشأ فلان يقول كذا . إذا ابتدأ قوله وأظهره بعد سكوت . وكذلك قولهم : أنشأ فلان حائط نخل .

10030 - ومنه قول الله ، عز وجل : ( وله الجواري المنشآت في البحر [ ص: 162 ] كالأعلام ) [ الآية الكريمة ( 24 ) من سورة الرحمن ] أي : السفن الظاهرة في البحر كالجبال الظاهرة في الأرض .

10031 - وقد قيل : أنشأت تمطر : أي ابتدأت .

10032 - ومنه قيل للشاعر : أنشأ يقول .

10033 - وإنما سمى السحابة بحرية لظهورها من ناحية البحر .

10034 - يقول : ( إذا طلعت سحابة من ناحية البحر ) وناحية البحر بالمدينة : الغرب ( ثم تشاءمت ) أي أخذت نحو الشام ، والشام من المدينة في ناحية الشمال .

10035 - يقول : إذا مالت السحابة الظاهرة من جهة الغرب إلى الشمال - وهو عندنا البحرية - ولا تميل كذلك إلا بالريح النكباء التي بين الغرب والجنوب هي القبلة فإنها يكون ماؤها غدقا ، يعني : غزيرا معينا ; لأن الجنوب تسوقها وتستدرها وهذا معروف عند العرب وغيرهم .

10036 - قال الكميت : [ ص: 163 ]

مرته الجنوب فلما اكفهر ر حلت عزاليه الشمأل

.

10037 - وأما قوله : " فتلك عين " فالعين مطر أيام لا يقلع .

10038 - كذلك قال أهل العلم باللغة والخبر .

10039 - قالوا : والعين أيضا ناحية القبلة .

10040 - والعرب تقول : مطرنا بالعين ، ومن العين إذا كان السحاب ناشئا من ناحية القبلة .

[ ص: 164 ] 10041 - وقد قيل : إن العين ماء عن يمين قبلة العراق .

10042 - " وغديقة " : تصغير غدقة ، والغدقة الكثيرة الماء .

10043 - قال الله ، عز وجل : " ماء غدقا " [ الآية الكريمة من سورة الجن ]

10044 - قال كثير :


وتغدق أعداد به ومشارب

.

10045 - يقول : يكثر المطر عليه .

10046 - وأعداد : جمع عد ، وهو الماء الغزير . وقد يكون التصغير هنا أريد به التعظيم كما قال عمر في ابن مسعود " كنيف ملئ علما " .

10047 - وقيل : إن قول ابن عمر كان لصغر قد ابن مسعود ولطافة جسمه .

10048 - وقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا خرج على العادة المعهودة من حكم الله وفضله ; لأنه يعلم نزول الغيث حقيقة بشيء من الأشياء قبل ظهور السحاب .

10049 - وقد ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن عمر الخمس التي لا يعلمها إلا الله تعالى وقال : ( إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام ) [ لقمان : 43 ] .

[ ص: 165 ] 10050 - وقد قيل : إن هذا الحديث أريد به أن السحابة تحمل الماء من البحر .

10051 - واحتج قائل هذا بقول أبي ذؤيب الهذلي :

شربن بماء البحر ثم ترفعت     متى لجج خضر لهن نشيج

. 50 [ ص: 166 ] 10052 وقال الأصمعي : الباء في قوله : بماء البحر : للتبعيض .

10053 - والذي قدمت لك هو قول أهل العلم والدين وكيف كانت الحال فلا ينزل الغيث من حيث نزل ولا ينشئ السحاب ولا يرسل الرياح إلا الله وحده لا شريك له .

التالي السابق


الخدمات العلمية