فصل : قد ذكرنا حكم القتيل في معترك المشركين ، وسواء قتل بالحديد أو بحجر المنجنيق ، أو رفس حيوان ، أو تردي من جبل ، أو سقط في بئر ، أو عصر في زحم ، على أي حال كان ، أو
مات بين الصفين بسبب من مشرك أو غيره فهو قتل شهادة لا يغسل ولا يصلى عليه ، إلا أن
يموت بين الصفين حتف أنفه فهو كغيره من موتى المسلمين يغسل ويكفن ويصلى عليه ، فأما من
جرح في حرب ثم خلص حيا فمات من جراحته والحرب قائمة ، أو [ ص: 36 ] مات بعد تقضي الحرب بزمان قريب لم يغسل ولم يصل عليه كالقتيل في المعترك ، سواء أكل الطعام أم لا ، وإن
مات بعد تقضي الحرب وانكشافها بزمان بعيد غسل وصلي عليه . وقال
أبو حنيفة : إن مات قبل أكل الطعام لم يغسل ، وإن كان بعد أكل الطعام غسل ، والاعتبار بقرب الزمان وبعده .
والدلالة عليه ما روي
أن عبيدة بن الحارث أصيبت رجله ببدر فحمل وعاش حتى مات بالصفراء ، فغسله النبي صلى الله عليه وسلم وصلى عليه فلو
أسر المشركون رجلا وقتلوه بأيديهم صبرا ففي غسله والصلاة عليه وجهان :
أحدهما : يغسل ويصلى عليه كالجريح إذا خلص حيا ومات ؛ لأن خروج روحه في غير المعترك .
والوجه الثاني : لا يغسل ولا يصلى عليه لأنه قتل ظلما بيد مشرك حربي كالقتيل في المعترك ، فأما من مات شهيدا بغرق أو حرق أو تحت هدم أو قتل غيلة أو قتله اللصوص وقطاع الطريق فكل هؤلاء يغسلون ويصلى عليهم ، فقد قتل
عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم شهداء فغسلوا وصلي عليهم .