الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ومن لم يدرك صلى على القبر . وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صلى على القبر وعن عمر وابن عمر وعائشة مثله " .

قال الماوردي : وهذا صحيح . أما من صلى عليه مرة ، فلا يجوز أن يصلي عليه ثانية ، وأما من لم يصل عليه من أوليائه وغير أوليائه ، فله أن يصلي عليه ثانية قبل الدفن على جنازته ، وبعد الدفن على قبره ، وهو أولى ، بل قد كره الشافعي الصلاة عليه قبل الدفن لما يخاف من انفجاره ، واستحبها بعد الدفن .

وبه قال من الصحابة علي وعمر وابن عمر وأبو موسى وعائشة رضي الله عنهم .

ومن التابعين الزهري وغيره ، ومن الفقهاء الأوزاعي وأحمد وإسحاق ، وقال أبو حنيفة ومالك : إذا صلى على الميت وليه مرة لم يجز أن يصلي عليه ثانية سواء دفن أو لم يدفن تعلقا بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الصلاة في المقبرة . وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه منع من الصلاة على القبر وغلظ الأمر فيه وقال : " لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " ، قالوا : ولو جازت الصلاة على القبر ، لجازت على قبر رسول الله ، قالوا : ولأنه إذا صلي عليه مرة فقط سقط الغرض وصارت الثانية نفلا ، والتنفل على الميت لا يجوز ، بدلالة أن من صلى عليه مرة لم يجز أن يصلي عليه ثانية .

والدلالة على جواز الصلاة على القبر ، ثبوت الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك من ستة أوجه :

أحدها : رواية سهل بن حنيف أنه صلى الله عليه وسلم صلى على قبر مسكينة .

وثانيها : رواية ثابت البناني عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على قبر رجل أسود كان ينظف المسجد فدفن ليلا .

[ ص: 60 ] وثالثها : رواية الشافعي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بقبر دفن حديثا فصلى عليه وكبر أربعا فقيل للشعبي ممن سمعت هذا ؟ فقال : من الثقة ممن شهد عبد الله بن عباس .

ورابعها : رواية الشعبي عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم صلى على قبر منبوذ ، وكبر أربعا . وخامسها : رواية الشعبي عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم صلى على قبر حدث بعد ثلاث . وسادسها : رواية الشعبي عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم صلى على قبر بعد شهر . فكانت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك من هذه الأوجه ، فمن أنكرها كان مباهتا ، ولأنه من لم يصل على الميت جاز أن يصلي على القبر ما لم يبل ، كالولي .

فأما الجواب عن نهيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في المقبرة ، فالمقصود به بيان الطهارة للمكان .

وأما روايتهم أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة على القبر ، فغير ثابت بوجه ، وقوله صلى الله عليه وسلم " لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " فإنما قال ذلك ؛ خوفا من الافتتان بقبره ، وأن يؤديهم تعظيمه إلى عبادته ، وأما الصلاة على قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فالصحيح من مذاهب أصحابنا أنها غير جائزة ، لما ذكرناه وأما قبر غيره فأصح مذاهبهم أيضا أنه يصلى عليه ما لم يصر رميما ، وقيل : بل يصلي عليه من عاصره ، وقيل : بل يصلي عليه أبدا وليس بصحيح ، وأما قولهم : إن التنفل على الميت لا يجوز ، فيفسد بصلاة المرأة لأنها نافلة ، ثم لم تكن ممنوعة .

التالي السابق


الخدمات العلمية