الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو كانت ضأنا ومعزا كانت سواء أو بقرا وجواميس وعرابا ودربانية وإبلا مختلفة فالقياس أن نأخذ من كل بقدر حصته ، فإن كان إبله خمسا وعشرين عشر مهرية وعشر أرحبية وخمس عيدية فمن قال يأخذ من كل بقدر حصته قال يأخذ ابنة مخاض بقيمة خمسي مهرية وخمسي أرحبية وخمس عيدية " .

قال الماوردي : أما إن كانت ماشيته نوعا واحدا لا تختلف ولا تتنوع فالواجب أن تؤخذ زكاته منها جيدا كان أو رديئا ، فإن أعطى عن الجيد رديئا لم يقبل . قال الله تعالى : ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ، [ البقرة : 267 ] وإن كان ماله أنواعا مختلفة كأن كانت غنما بعضها ضأن ، وبعضها معزى ، أو كانت إبلا بعضها مهرية وبعضها أرحبية ، أو كانت بقرا بعضها دربانية وبعضها عراب ، فذلك ضربان :

أحدهما : أن يستوي النوعان في العدد .

[ ص: 124 ] والثاني : أن يتفاضل النوعان في العدد ، فإن استوى النوعان في العدد ، فكان معه أربعون شاة عشرون منها ضأن ، وعشرون منها معزى ، فعليه إخراج شاة من أيهما شاء على قدر المالين ، كأنا نقول : قيمة جذعة من الضأن عشرة دراهم ، وقيمة ثنية من المعزى عشرون درهما فتؤخذ نصف القيمتين فتكون خمسة عشر درهما ، إما جذعة من الضأن أو ثنية من المعزى ، وكذلك الإبل والبقر ، وإن تفاضل النوعان في العدد فكان معه أربعون شاة ، ثلاثون منها ضأن وعشر معزى ، أو كانت إبلا أو بقرا مختلفة الأنواع متفاضلة الأعداد ، ففيها قولان :

أحدهما : تؤخذ زكاتها من الأغلب والأكثر اعتبارا بما تمهد من أصول الشرع في الجرح والتعديل ، فيقضي على العدل بغالب أحواله وإن أساء على الغالب بغالب فسقه ، وإن أحسن ، وكما تؤخذ الزكاة من السائمة وإن علفت في الحول مرة أو مرتين اعتبارا بالغالب ، ولأن في إخراج الزكاة من سائر أنواعها مشقة لاحقة بأرباب الأموال يخرج من موضوع المواساة ، فعلى هذا القول تخرج الزكاة من غالب ماله جيدا كان الغالب أو رديئا .

والقول الثاني : وهو أصح : أن عليه أن يخرج من كل نوع بحسابه على اعتبار القيمة ، ليقع الاشتراك في النقص والكمال ؛ لأن حق المساكين شائع في الجملة ، وليس أحد الأنواع أولى من الآخر ، ولأنا إذا علقنا ذلك بالأكثر لم يؤمن أن يكون خياره في الأقل ، فنكون قد بخسنا المساكين حقهم وأبحنا رب المال إعطاء خبيث ماله ، وهذا خروج عن النص المانع من ذلك ، وقياسا على ما لم يختلف مذهبه فيه من الفضة إذا وجبت فكان بعضها جيدا وبعضها رديئا لزم إخراج زكاتها من سائر أنواعها دون غالبها ، كذلك في الماشية ، ويجوز ذلك قياسا أن يقال إنه جنس قد اختلفت أنواعه فوجب أن يؤخذ من كل نوع بحصته كالفضة ، فعلى هذا القول لا اعتبار بالغالب ويؤخذ من كل نوع بحسابه وقسطه ، مثال ذلك أن يكون معه خمس وعشرون من الإبل ، عشرة منها مهرية ، وعشرة أرحبية ، وخمسة محتدية ، فقال : قيمة بنت مخاض مهرية ثلاثون دينارا فيؤخذ خمساها ؛ لأن خمسي إبله مهرية فيكون اثني عشر دينارا ، ويقال : قيمة بنت مخاض أرحبية عشرون دينارا ، فيؤخذ خمساها ؛ لأن خمسي إبله أرحبية فيكون ثمانية دنانير ويقال : قيمة بنت مخاض محتدية عشرة دنانير فيؤخذ خمسها ؛ لأن خمس إبله محتدية فيكون دينارين ، ثم تجمع الاثني عشر والثمانية والدينارين فيكون اثنين وعشرين ، فيؤخذ من بنت مخاض بقيمة اثنين وعشرين دينارا ، إما مهرية أو أرحبية ، أو محتدية ، ثم كذلك في البقر وفيما زاد أو نقص من الإبل على هذا الاعتبار والله أعلم بالصواب .

[ ص: 125 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية