مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : " ويأخذها على مياه أهل الماشية وعلى رب الماشية أن يوردها الماء لتؤخذ صدقتها عليه وإذا جرت الماشية عن الماء فعلى المصدق أن
[ ص: 156 ] يأخذها في بيوت أهلها وأفنيتهم وليس عليه أن يتبعها راعية ويحصرها إلى مضيق تخرج منه واحدة واحدة فيعدها كذلك حتى يأتي على عدتها " .
قال
الماوردي : قد مضى الكلام في المسألة الأولى في زمان الأخذ والكلام في هذه المسألة في
كيفية الأخذ ، وفي موضع الأخذ ، فلا يخلو حال الماشية من ثلاثة أقسام :
أحدها : أن يجدها في بيوت أهلها ، فهناك يأخذ زكاتها .
والقسم الثاني : أن يجدها على مياه أهلها ، فلا يكلف رب المال أن يسوقها إلى بيته ، ويأخذ زكاتها على ماء شربها ، لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب لحارثة بن قطن ومن بدومة الجندل من كلب : إن لنا الضاحية من البعل ولكم الضاحية منه من النخل ، لا نجمع سارحتكم ولا نعد فاردتكم .
قال
أبو عبيد : فالضاحية هي النخل الظاهرة في البر ، والبعل ما يشرب بعروقه من غير سقي ، والضاحية ما تضمها أمصارهم وقراهم ، وقوله : " لا نجمع سارحتكم " أي : لا يجمع المواشي السارحة إلى الصدقة ، وقوله " لا نعد فاردتكم " : لا تضم الشاة الفاردة إلى الشاة الفاردة ليحتسب بها في الصدقة .
والقسم الثالث : أن يجدها راعية ، فلا يكلف الساعي أن يتبعها راعية لما يناله من المشقة في اتباعها ، ولا يكلف رب المال أن يجلبها إلى فناء داره لما عليه من المشقة في جلبها ، بل على رب المال أن يجمعها على الماء ، فإن ذلك أرفق بهما ، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "
nindex.php?page=hadith&LINKID=922129لا جلب ولا جنب " يعني : أنه ليس على أرباب الأموال جلبها إلى بيوتهم ، ولأنهم أن يجانبوها فيتبعها الساعي في مراعيهم ، وقال
قتادة : الجلب والجنب في الرهان وقد كان للسعاة فيها طبل يضربون به عند مخيمهم ؛ ليعلم أرباب الأموال فيتأهبوا لجمع مواشيهم ، وفي ذلك يقول
جرير :
أتانا أبو الخطاب يضرب طبله فرد ولم يأخذ عقالا ولا نقدا
قيل : إن العقال الماشية ، والنقد الذهب والورق ، وقيل بل العقال القيمة ، والنقد الفريضة ، وقيل العقال صدقة عامين ، والنقد صدقة عام ، وأنشد
ثعلب :
سعى عقالا فلم يترك لنا سبدا فكيف لو قد سعى عمرو عقالين ؟
لا صبح الحي أوتادا ولم يجدوا عند التفرق في الهيجا جمالين
[ ص: 157 ] فهذا الكلام في موضع الأخذ .
فأما
كيفية الأخذ : فهو : أن يبدأ الساعي بأسبق المواشي وأقربها إليه ، فيأمر بضمها إلى مضيق من جدار أو حظار أو جبل ، ويحضر الكاتب فيكتب اسم مالكها ، ويقف العاد في أضيق المواضع ليعدها ، والحشار يحشرها ليعدها العاد بعيرا بعيرا ، ويكون بيده عود يشير به إليها ويرفع صوته بالعدد لتؤمن عليه الخيانة والغلط ، حتى يأتي على جميع الماشية ، ثم يثبتها الكاتب على رب المال .
قال
الشافعي : وهذا أخصر العدد وأوحاه ، وبه جرت العادة ، فإن ادعى رب المال غلطا على الساعي ، أو ادعى الساعي غلطا على رب المال أعيد العدد ليزول الشك .