فصل : فأما
كيفية الاسترجاع ، فلا يخلو حال ما تعجله للفقير من أحد أمرين : إما أن يكون موجودا أو معدوما ، فإن كان معدوما قال
الشافعي : يعود بمثله ، فأطلق هذا على ضربين :
أحدهما : أن يستحق الرجوع في حق أهل السهمان ، فيستحق الرجوع بمثله من الحيوان ؛ لأن الرجوع مستحق بما ينصرف في الزكاة ، والزكاة لا تنصرف فيها إلا غير الحيوان دون قيمته ، فلم يجز الرجوع إلا بالحيوان دون قيمته .
والضرب الثاني : أن يستحق الرجوع في حق رب المال ، فقد اختلف أصحابنا فيه على وجهين :
أحدهما يعود بمثله حيوانا ، وهو ظاهر نصه ؛ لأن المقصود
بتعجيل الزكاة الرفق والمواساة ، فجرى مجرى فرض الحيوان الذي يرجع فيه بالمثل لا بالقيمة .
والوجه الثاني : وهو أقيس ، يرجع بقيمته كسائر المتلفات ، وحملوا قول
الشافعي يعود بمثله على ما له مثل ، فإذا وجبت القيمة على هذا الوجه ففي اعتبار زمان القيمة وجهان :
[ ص: 169 ] أصحهما : وقت الدفع والتعجيل لأنه بالدفع ملك .
والثاني : وقت التلف ، لأنه لو كان موجودا بعد الدفع لرجع به ، فإذا كان تالفا رجع بقيمته ، وإن كان ما تعجله الفقير موجودا بعد موته ، لم يخل حاله من ثلاثة أحوال :
إما أن يكون زائدا أو ناقصا أو بحاله لم يزد ولم ينقص ، فإن كان بحاله استرجع منه ، فإن رأى الوالي أن يرده على وارثه وهو من أهل السهمان جاز وإن كان زائدا فالزيادة ضربان : متميزة وغير متميزة ، فإن كانت غير متميزة كالسمن والكبر ، فإنه يرجع به وزيادته ؛ لأن الزيادة تميزت بمنع العين ، وإن كانت الزيادة متميزة كاللبن والنتاج ، رجع به دون زيادته ، وتكون الزيادة لوارثه ؛ لأن الفقير قد ملك العين بالدفع ، فكانت الزيادة حادثة عن ملكه ، فكان أملك بها من غيره ، كالمبيع إذا رد بعيب ، وإن كان ناقصا فالنقصان ضربان : متميز وغير متميز ، فإن كان غير متميز كالمرض والهزال ، رجع به ناقصا ، ولم يستحق أرش نقصانه ، لأنه تطوع بتعجيله ، فإن رأى الوالي أن يرده على وارثه لم يجز لنقصه ، إلا أن يكون بعد النقص على وصف مال الدافع ، وإن كان النقص متميزا كبعيرين تلف أحدهما وبقي الآخر ، رجع بالباقي وبمثل التالف في أحد الوجهين ، وبقيمته في الوجه الثاني ، وفي اعتبار قيمة زمانه وجهان على ما مضى . والله أعلم .