مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : " روي أنه صلى الله عليه وسلم قال
nindex.php?page=hadith&LINKID=922076ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة قال :
ولا صدقة في خيل ولا في شيء من الماشية عدا الإبل والبقر والغنم بدلالة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك . قال
المزني : قال قائلون في الإبل والبقر والغنم المستعملة وغير المستعملة ومعلوفة وغير معلوفة سواء فالزكاة فيها ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فرض فيها الزكاة وهو قول المدنيين . يقال لهم وبالله التوفيق : وكذلك فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة في الذهب والورق كما فرضها في الإبل والبقر فزعمتم أن ما استعمل من الذهب والورق فلا زكاة فيه وهي ذهب وورق ، كما أن الماشية إبل وبقر فإذا أزلتم الزكاة عما استعمل من الذهب والورق فأزيلوها عما استعمل من الإبل والبقر ؛ لأن مخرج قول النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك واحد " .
قال
الماوردي : وهذا كما قال :
أما
الرقيق فلا يختلف العلماء أن لا زكاة في أعيانهم إلا أن يكونوا للتجارة فتجب الزكاة في قيمتهم ، أو في الفطر فتجب زكاة الفطر عنهم ، ولهذا موضع . فأما الخيل فلا زكاة فيها بحال كالحمير والبغال ، سواء كانت سائمة أو معلوفة ذكورا أو إناثا ، هذا مذهب
الشافعي ، وبه قال من الصحابة
عمر ،
وعلي ،
وعبد الله بن عمر ، وهو مذهب
مالك والليث بن سعد ،
والأوزاعي والثوري ،
وأبي يوسف ومحمد .
وقال
أبو حنيفة وزفر : إن كانت معلوفة فلا زكاة فيها كالماشية ، وإن كانت سائمة : فإن كانت ذكورا فلا زكاة فيها ، وإن كانت إناثا أو ذكورا وإناثا ففيها الزكاة ، وربها بالخيار إن شاء أخرج عن كل فرس دينارا وإن شاء قومها وأخرج ربع عشر القيمة من غير اعتبار نصاب ، احتجاجا برواية
جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن
جابر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
في كل فرس سائمة دينار ، وليس في المرابطة شيء وبرواية
علقمة عن
ابن مسعود ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : الخيل ثلاث : لرجل أجر ، ولآخر شين ، وعلى آخر وزر ، فأما الذي له الأجر فالذي يمسكها تعففا وتجملا ، فلا ينسى حق الله في ظهورها ورقابها ، ومما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
[ ص: 192 ] قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=922153خير المال سكة مأبورة ، ومهرة مأمورة وإذا كان ذلك من خيار المال كان وجوبها فيه أولى من وجوبها في شراره ، قالوا : ولأنه ذو أربعة : أهلي يؤكل لحمه فوجب فيه الزكاة كالغنم . قالوا : ولأن الزكاة إنما تجب في الماشية لظهرها ونسلها ، وفي الخيل السائمة هذا المعنى موجود فيها ، فاقتضى أن تجب الزكاة فيها .
ودليلنا رواية
عراك بن مالك عن
أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=922076ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة ، وروى
أبو الزناد ، عن
الأعرج ، عن
أبي هريرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=922076ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة إلا صدقة الفطر في الرقيق ، وروى
عاصم بن ضمرة ، عن
علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=922154عفوت لكم عن صدقة الخيل .
وروى
عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=922155لا صدقة في فرس ولا عبد .
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
ليس في الجبهة ولا في النخة ولا في الكسعة صدقة . فالجبهة : الخيل ، والكسعة : الحمير ، فأما النخة
فأبو عبيدة يرويها بضم النون وهي الرقيق ،
والكسائي يرويها بفتح النون ، وقال : هي البقر العوامل بلغة
الحجاز ، وقال
الفراء : النخة أن يأخذ المصدق دينارا بعد فراغه من الصدقة وأنشد :
عمي الذي منع الدينار ضاحية دينار نخة كلب وهو مشهود
وروي أن
أهل الشام كتبوا إلى
عمر فقالوا : قد كثر عندنا الخيل والرقيق فزكه لنا ، فقال : لا آخذ شيئا لم يأخذه صاحباي ، وسأستشير . فاستشارهم فقالوا : حسن ،
وعلي عليه السلام ساكت ، فقال : ما تقول يا
أبا الحسن ؟ فقال : لا بأس إن لم تكن جزية راتبة من بعدك ،
[ ص: 193 ] فأخذ
عمر من كل عبد عشرة دراهم ، ورزقه جريبين ، ومن كل فرس عشرة دراهم ، ورزقه عشرة أجربة شعيرا .
قال
أبو إسحاق : فأعطاهم أكثر مما أخذ منهم ، قال
أبو إسحاق : ولم تكن جزية ، ثم صار جزية راتبة في زمن الحجاج تؤخذ منهم ولا يعطون .
فالدلالة في هذا الحديث من وجوه :
أحدها : أنهم سألوه ، ولو كانت واجبة لبدأهم .
والثاني : أنه قال : لم يأخذ صاحباي ، ولو كانت واجبة لأخذاها .
والثالث : أنه استشار ، ولو كان نص ما استشار .
والرابع : أن
عليا عليه السلام قال : إن أمنت أن لا تكون جزية راتبة فافعل ، ولو وجبت لكانت راتبة .
والخامس : أن
عمر أعطاهم في مقابلتها رزقا ، ولو كانت واجبة لم يعطهم شيئا .
ويدل على ذلك من طريق المعنى : أن يقال :
كل جنس من الحيوان لا تجب الزكاة في ذكوره إذا انفردت لا تجب في ذكوره وإناثه كالحمير والبغال ، وعكسه المواشي ، ولأنه حيوان يسهم له فشابه الذكور ، ولأنه حيوان لا يضحى به فأشبه الحمير ، ولأنه ذو حافر فشابه الذكور ، ولأنه حيوان لم يجب فيه من جنسه فلم يجب فيه من غير جنسه كالدجاج .
فأما الجواب عن حديث
جابر : فرواية
غورك السعدي وهو مجهول عند أصحاب الحديث ، فلا يصح الاحتجاج به ، ولو صح لكان الجواب عنه من وجهين استعمالا وترجيحا .
فأما الاستعمال في زكاة التجارة ، ويكون ذكر الدينار على وجه التقريب ، فإن قيل : قد نص على السوم ، والسوم غير مؤثر في زكاة التجارة ، قيل : إنما ذكره والله أعلم ليفرق بينه وبين الغنم ، فلا يظن أن سومها مسقط لزكاة التجارة كما أسقطها من النعم على أحد القولين . وأما الترجيح : فقد عارضه قوله :
عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق ، وهو أولى من وجهين : أحدهما : أنه متفق على استعمال بعضه وهو الرقيق ، مختلف في استعمال بعضه وهو الخيل ، وخبرهم مختلف في استعمال جميعه ، فكان خبرنا أولى .
والثاني : أن خبرهم متقدم وخبرنا متأخر ؛ لأن قوله : ( عفوت ) يدل على إيجاب متقدم ، والمتأخر أولى ، وأما حديث
ابن مسعود فالجواب عنه قريب من جواب ما تقدم ، أو يحمل
[ ص: 194 ] على الجهاد ؛ لأنه قال ولا تنس حق الله في ظهورها ورقابها والزكاة لا تجب في الظهر ، وإنما الجهاد على الظهر ، وأما قوله
خير المال سكة مأبورة فالمراد به الإخبار عن فضل الجنس دون إيجاب الزكاة ، وقد لا تجب الزكاة في خيار المال كالمعلوفة ، وتجب في شراره كمراض السائمة .
وأما قياسهم على النعم فالمعنى فيه أن الزكاة واجبة في ذكورها ، فلذلك وجبت في إناثها ، ولما لم تجب الزكاة في ذكور الخيل لم تجب في إناثها ، وأما قولهم : إن زكاة الماشية وجب لظهورها ونسلها فغير صحيح ، وإنما وجبت لدرها ونسلها ، والخيل لا در لها فلم تجب الزكاة فيها . والله أعلم بالصواب .