مسألة : قال
الشافعي ، رضي الله عنه : " وثمر النخل يختلف ، فثمر النخل يجد
بتهامة وهي
بنجد بسر وبلح فيضم بعض ذلك إلى بعض : لأنها ثمرة عام واحد ولو كان بينها الشهر والشهران وإذا أثمرت في عام قابل لم يضم " .
قال
الماوردي : وهذا صحيح :
أجرى الله تعالى العادة في الثمار أن تدرك حالا بعد حال ، ولا تدرك دفعة واحدة ، لما في إدراكها دفعة واحدة من الإضرار بأربابها ، وإذا أدركت حالا بعد حال كان أمتع بها وأنفع لأربابها ، وأجرى العادة في ثمار البلاد الحامية
كتهامة والحجاز أن يتعجل اطلاعها وإدراكها : لغلظ الهواء وشدة الحر ، وفي ثمار البلاد الرطبة
كنجد والعراق أن يتأخر اطلاعها وإدراكها لرقة الهواء وقوة البرد ، لمصلحة علمها وحكمة استأثر بها ، وأجرى في عادة النخل أن يكون من بدو إخراجها واطلاعها إلى منتهى نضجها وإدراكها أربعة أشهر ، وقيل : إن النخل يحول في السنة أربعين يوما ثم في باقي السنة حامل إما ظاهرا أو باطنا .
فإذا تقرر هذا فلا بد من
ضم ثمار العام الواحد بعضها إلى بعض ، سواء كانت في بلد واحد أو بلدان شتى ، فثمر النخل يجد
بتهامة وهو
بنجد بسر وبلح ، وجملته وهو أنه لا يخلو حال النخلين المتغايرين من أحد أمرين :
إما أن يتفق إطلاعهما .
[ ص: 217 ] أو يختلف إطلاعهما ، وتغايرهما من وجهين :
إما في النوع كالنخل البري والنخل المعقلي .
وإما في الموضع كالنخل التهامي والنخل النجدي ، وإن اتفق أطلاع النخلين ضم أحدهما إلى الآخر سواء اتفق إدراكهما أو اختلف لأنها ثمرة عام ، وإن اختلف أطلاعهما لم يخل حال الثانية من ثلاثة أقسام :
إما أن تطلع قبل بدو الصلاح الأول .
أو تطلع بعد جداد الأولى .
أو تطلع بعد بدو صلاح الأولى وقبل جدادها .
فأما القسم الأول إذا أطلعت الثانية قبل بدو صلاح الأولى أو معه ، كان نخل
تهامة أطلع وصار بسرا لم يبد صلاحه بصفرة ولا حمرة ، ثم أطلع نخل نجد فهذا يضم ، لأنها ثمرة عام ، ولأن اتفاق أطلاعهما متعذر ، بل النخلة الواحدة قد يختلف أطلاعها ، فكيف بنخل متغاير .
وأما القسم الثاني : إذا أطلعت الثانية بعد جداد الأولى كان نخل
تهامة أطلع وصار تمرا يابسا وجد عن نخله وصرم ، ثم أطلع النخل الآخر ، فلا تضم هذه الثانية إلى الأولى : لأن العادة لم تجر في ثمرة العام الواحد بهذا ، وإن اختلفت أنواعها وبقاعها ، ومن قال من أصحابنا تضم فقد أخطأ نص المذهب ، وجهل عادة الثمر .
وأما القسم الثالث : إذا أطلعت الثانية بعد بدو صلاح الأولى وقبل جدادها ، كانت الأولى أطلعت وصارت رطبا ثم أطلعت الثانية ، فقد اختلف أصحابنا في ضمها على وجهين :
أحدهما : وهو قول
أبي إسحاق المروزي وأبي علي بن أبي هريرة : لا تضم ويكون بدو الصلاح علما في ضم الثمار ، استدلالا بمذهب وحجاج .
أما المذهب : فما رواه
حرملة عن
الشافعي أنه قال : " وإذا
كان لرجل ثمر مختلف فبدا الصلاح في بعضها وبعضها بسر وبلح ، ضم بعضها إلى بعض ، لأنها كانت موجودة عند بدو الصلاح " فجعل علة الضم بدو الصلاح .
وأما الحجاج : فهو أن
ضم الثمار كضم السخال ، فلما اعتبر في ضم السخال وجودها قبل الحول : لأن بالحول تجب الزكاة ، وجب أن يعتبر في ضم الثمار بدو الصلاح : لأن ببدو الصلاح تجب الزكاة .
[ ص: 218 ] والوجه الثاني : تضم فيكون جفاف الثمرة وأوان جدادها علما في ضم الثمار ، استدلالا بمذهب وحجاج ، أما المذهب : فما قاله
الشافعي في كتاب الأم : " ولو كان له نخل في بعضها طلع ، وفي بعضها بلح ، وفي بعضها بسر ، وفي بعضها رطب ، فأدرك الرطب فجده ، وأدرك البسر فجده ، ثم أدرك البلح فجده ، ثم أدرك الطلع فجده ، ضمت بعضها إلى بعض ، لأنها ثمرة عام واحد " وأما الحجاج : فهو أن للثمرة حالين حال ابتداء وهو الأطلاع وحال انتهاء وهو الجفاف ، فلما لم يكن الضم معتبرا بالابتداء وجب أن يكون معتبرا بالانتهاء ، فمن قال بالوجه الأول وهو الصحيح انفصل عما قاله
الشافعي في كتاب " الأم " بأن قال : إنما جمع
الشافعي في الضم بين الطلع والرطب ولم يجمع بين الأطلاع والرطب ، وقد يجوز الجمع بين طلع ورطب كأن ابتداء أطلاعه قبل الإرطاب ، وانفصل عن الحجاج بأن قال للثمرة حالة ثالثة هي بدو صلاحها ، واعتبارها أولى : لأن الوجوب بها يتعلق .