مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : " فهم والمرأة ممن يمونون فكل من لزمته مؤنة أحد حتى لا يكون له تركها ، أدى زكاة الفطر عنه ، وذلك من أجبرناه على نفقته من ولده الصغار والكبار الزمنى الفقراء ، وآبائه وأمهاته الزمنى الفقراء وزوجته وخادم لها " .
قال
الماوردي : وأصل هذا أن
كل من لزمه الإنفاق عليه لزمته زكاة الفطر عنه إذا كان مسلما ، وهم ضربان :
ضرب لزمت نفقاتهم بأنساب .
وضرب لزمت نفقاتهم بأسباب ، فأما ذوو الأنساب فضربان : والدون ومولودون ، فهم الآباء والأجداد والأمهات والجدات من قبل الآباء والأمهات ، ولهم حالان : حال فقر ، وحال غنى فإن كانوا أغنياء فنفقاتهم في أموالهم وكذلك زكاة فطرهم ، وإن كانوا فقراء فلهم حالان : حال صحة ، وحال زمانة ، فإن كانوا فقراء زمنى فنفقاتهم على أولادهم واجبة ، وكذلك زكاة فطرهم .
وقال
أبو حنيفة : تجب نفقاتهم دون زكاة فطرهم ، وإن كانوا فقراء أصحاء فمذهب
الشافعي أنها لا تجب نفقاتهم ولا زكاة فطرهم حتى يجتمع فيهم الأمران جميعا الفقر والزمانة ، وكان
أبو علي بن أبي هريرة يخرج قولا ثانيا ، أن نفقاتهم وزكاة فطرهم واجبة بالفقر دون الزمانة ، فقال
أبو علي بن أبي هريرة يحتمل أن يكون هذا المطلق من كلامه
[ ص: 353 ] محمولا على المقيد كما يفعل ذلك في خطاب الله تعالى ، وفي خطاب رسوله صلى الله عليه وسلم ، فتكون المسألة على قول واحد أنه لا تجب نفقاتهم إلا أن يكونوا زمنى ويحتمل أن يجعل هذا له قولا ثانيا فتكون المسألة على قولين ، وللكلام عليه موضع في كتاب النفقات ، هو أولى به من هذا الموضع
وأما المولودون فهم البنون والبنات ، وسواهم وإن سفلوا وهم ضربان :
أحدهما : أغنياء والآخر فقراء ، فإن كانوا أغنياء فنفقاتهم في أموالهم وكذلك زكاة فطرهم ، وإن كانوا فقراء فضربان :
أحدهما : أن يعجزوا عن منافع أنفسهم لصغر أو جنون أو زمانة فعلى الوالد ، وإن علا نفقاتهم .
وقال
أبو حنيفة إن كانوا كبارا فعلى الوالد وإن علا نفقاتهم دون زكاة فطرهم ، وإن كانوا صغارا فعلى الوالد إن كان أبا نفقاتهم وزكاة فطرهم ، وإن كان جدا فعليه نفقاتهم دون فطرهم .
والضرب الثاني : أن يكونوا كبارا أصحاء لا يعجزون عن منافع أنفسهم ، فمذهب
الشافعي ، أنه لا تجب على الوالد نفقاتهم ولا زكاة فطرهم ، واختلف أصحابنا في تخريج
ابن أبي هريرة في الآباء هل يصح تخريجه في الأبناء على وجهين :
أحدهما : يصح تخريجه على ضعفه ووهائه ، فيخرج في المسألة قول ثان : إن نفقاتهم وزكاة فطرهم واجبة بمجرد الفقر دون الزمانة .
والثاني : أن تخريجه في الأبناء لا يصح : لأن نفقة الآباء أوكد من نفقة الأبناء ووجه تأكيدها أن إعفاف الأب واجب ، وإعفاف الابن على أبيه غير واجب فلما تأكدت نفقات الآباء جاز أن تلزم بالفقر دون الزمانة ، ولما ضعفت نفقات الأبناء لم تلزم بمجرد الفقر حتى يقترن به صغر ، أو زمانة ، فأما
أبو حنيفة فإنه وافقنا في وجوب النفقة ، وخالفنا في زكاة الفطر على ما بيناه وكان من عليه زكاة الفطر إن اعتبرها بالولاية فلم يوجب على
الابن فطرة أبيه : لأنه لا ولاية له على أبيه ، وأوجب على الأب فطرة صغار ولده دون كبارهم : لأن ولايته على صغارهم دون كبارهم ، ثم ناقض عليه في الجد فأوجب عليه نفقة ابن ابنه دون فطرته ، وإن كان صغيرا مع ولايته عليه وعلتنا في وجوب الفطرة ، ووجوب النفقة رواية
جعفر بن محمد عن أبيه عن
جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم "
فرض صدقة الفطر على كل حر وعبد ذكر وأنثى ممن تمونون " رواه
الشافعي مرسلا ورواه غيره متصلا ووجه الدلالة منه قوله " ممن تمونون "
[ ص: 354 ] فاعتبر الفطرة بالمؤنة على ما ذكرنا ولم يعتبرها بالولاية على ما ذكر
أبو حنيفة فأما من غير الوالدين والمولودين من الأخوة والأخوات والأعمام والعمات ، فلا تجب نفقاتهم ولا زكاة فطرهم ، وأوجب
أبو حنيفة نفقة كل ذي رحم محرم ، ولم يوجب زكاة فطره وسيأتي الكلام معه من ذلك إن شاء الله .