الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وإن كان عبد بينه وبين آخر ، فعلى كل واحد منهما بقدر ما يملك منه " .

قال الماوردي : وهذا كما قال إذا كان عبد بين شريكين ، أو بين مائة شريك فهو كما لو كان لمالك واحد ، فتكون على جماعتهم زكاة الفطرة صاع واحد ، وكذا لو كان مائة عبد بين شريكين ، لزمهما على كل رأس صاع ، وقال أبو حنيفة : إذا كان عبد بين شريكين أو مائة عبد بين شريكين فلا زكاة على واحد منهما بحال ، وقال أبو ثور : إذا كان عبد بين شريكين ، أو بين مائة شريك فعلى كل واحد منهما صاع ، فأما أبو حنيفة فاستدل بشيئين :

أحدهما : أنه قال ما تتكرر زكاته في كل حول فإنه يعتبر فيه نصاب يدخل العفر فيما [ ص: 364 ] دونه كالمواشي ، والنصاب عبد كامل والعفر من دونه ، ومن ملك أقل من عبد كامل فهو بمثابة من ملك أقل من نصاب من الماشية ، فوجب أن لا تلزمه زكاته .

والثاني : أن قال العبد المشرك بينه وبين غيره كالمكاتب بين سيده وبين نفسه ، فوجب أن لا تلزمه زكاة الفطر في المشرك ، كما لم تلزمه في المكاتب ، وتحرير ذلك أن فطرة عمن لم يكمل تصرفه فيه ، فلا يلزمه زكاة الفطر عنه كالمكاتب ، وأما أبو ثور فإنه قال : زكاة الفطر تجري مجرى الكفارة ، فلما لم يجز تبعيض الكفارة لم يجز تبعيض زكاة الفطر ، والدلالة عليهما رواية جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر قال : فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر على كل حر وعبد ممن تمونون ، وفيه دليلان :

أحدهما : قوله على كل حر وعبد يعني : عن كل حر وعبد فكان ظاهره في وجوبها عن المنفرد والمشترك .

والثاني : قوله ممن يمونون فعلقهما بالمؤنة ممن يمأن ، فوجب أن يزكي عنه ، ولأنها مؤنة تجب بحق الملك المنفرد ، فوجب أن تجب بحق الملك المشترك كالنفقة ، ولأنها صدقة تجب لأجل الملك المنفرد ، فوجب أن تجب لأجل المشترك كسائر الصدقات ، فأما الجواب عن قولهم إن ما تتكرر زكاته يجب اعتبار النصاب فيه ، فهو أن اعتبار ذلك غير صحيح : لأن النصاب إنما يعتبر في المال وزكاة الفطر تجب في المال وغير المال ، ألا تراها تجب على الحر ، وإن لم يكن مالا على أنهم أبعد الناس في ذلك قولا لأنهم قالوا : لا تجب حتى يكون مائتي درهم ، فلا يجوز اعتبار نصابين نصاب المال ونصاب العبد ، وأما المكاتب فالمعنى فيه أن نفقته غير واجبة ، فلذلك لم تجب زكاة فطره ، ولما كانت نفقة هذا واجبة وجبت زكاة فطره ، وأما أبو ثور فيفسد ما قاله من وجهين :

أحدهما : أن اعتبار الفطرة بالكفارة غير صحيح : لأن الفطرة تجب على الرقبة تطهيرا ، وكذلك تجب ابتداء وتحملا ، والكفارة تجب عن الفعل تمحيصا وتكفيرا ، وذلك يجب ابتداء ولا يجب تحملا .

والثاني : أن فيه استيعابا لقيمة العبد : لأنه ربما كان بين مائة شريك فيلزمهم مائة صاع ، وقد تكون قيمته أقل من مائة صاع ، وهذا خروج عن موضوع المواساة .

التالي السابق


الخدمات العلمية