مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : " وأي قوت كان الأغلب على الرجل أدى منه زكاة الفطر كان حنطة أو ذرة أو علسا أو شعيرا أو تمرا أو زبيبا " .
[ ص: 378 ] قال
الماوردي : اختلف قول
الشافعي في
الأقوات المدخرة ، هل هي على الترتيب أو على التخيير ؟ فله فيه قولان :
أحدهما : نص عليه في بعض كتبه أنها على التخيير والمزكي مخير بين جميعها ، فمن أيها أخرج أجزأه ، لما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه فرض زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير فجاء بلفظ التخيير ، ولأن زكاة الفطر مواساة والتخيير فيها أيسر والتسوية بين جميعها أرفق ، فعلى هذا من أي قوت أخرجها أجزأه ، وبعض الأقوات أولى من بعض فالتمر والبر أولى من غيرهما ، وفي أولاهما لأصحابنا وجهان :
أحدهما : أن التمر أولى .
وبه قال من الصحابة
ابن عمر ومن الفقهاء
مالك وأحمد بن حنبل : لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج ، وعمل أهل
المدينة جار به ، وقد روى
أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
nindex.php?page=hadith&LINKID=922254الكمأة من المن وفي مائها شفاء للعين ، والعجوة من الخير ، وفيها شفاء من السم .
والوجه الثاني : وقد مال إليه
الشافعي أن البر أولى .
وبه قال من الصحابة
علي بن أبي طالب عليه السلام .
ومن الفقهاء
إسحاق بن راهويه : لما روي عن
علي رضوان الله عليه أنه قال الآن قد أوسع عليكم فأخرجوا البر ، ولأن التمر مجمع عليه على أنه لا يجزئ منه أقل من صاع ، والبر مختلف فيه ، وكان ما اختلفوا فيه هل يجزي أقل من صاع أم لا أولى مما أجمعوا على أنه لا يجزي منه أقل من صاع ، ولو قيل : إن أولاهما مختلف باختلاف البلاد لكان مذهبا ، ولكان له في الاعتبار وجه .
والقول الثاني : في الأقل وهو نص
الشافعي هاهنا وفي أكثر الكتب أن ذلك على الترتيب دون التخيير والاعتبار فيه بغالب القوت ، لقوله صلى الله عليه وسلم
أغنوهم عن الطلب في هذا اليوم والإغناء يكون بما يكفيه الإنسان من غالب القوت فلو كان المزكي مخيرا فيه ، لجاز أن يعطيه ما ليس بغالب القوت فلا يستغني به ، وإذا أعطاه من غالب القوت صار مستغنيا به ، فعلى هذا هل يعتبر غالب قوت بلده أو غالب قوته في نفسه على وجهين :
أحدهما : وهو ظاهر نص
الشافعي هاهنا ، وفي " الأم " وبه قال
أبو سعيد الإصطخري وأبو عبيد بن حربويه من أصحابنا : إن الاعتبار بغالب قوته في نفسه ، لقوله تعالى :
[ ص: 379 ] من أوسط ما تطعمون أهليكم ، [ المائدة : 89 ] ، ولأنه مخاطب بفرض نفسه ، فوجب أن يكون اعتباره لقوت نفسه .
والقول الثاني : وهو قول
أبي العباس بن سريج وأبي إسحاق المروزي ، أن الاعتبار بغالب قوت بلده : لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، خاطب أهل
المدينة جمعا بغالب أقواتهم ولأن في اعتبار غالب قوت البلد توسعة ورفقا وفي اعتبار كل واحد مشقة وضيقا ، وما أدى إلى التوسعة والرفق في المواساة أولى ، فعلى هذين الوجهين إن عدل من غالب القوت إلى ما ليس بغالب القوت ، فأخرجه في زكاة فطره فذلك على ضربين :
أحدهما : أن يكون ما أخرجه من زكاته أدون من غالب قوته ، كأن أخرج شعيرا ، وغالب قوته تمر فهذا لا يجزئه : لأنه غير ما وجب عليه .
والضرب الثاني : أن يكون ما أخرجه في زكاته أغلى من غالب قوته كأنه أخرج برا وغالب قوته شعير ، ففي إجزائه وجهان :
أحدهما : لا يجزئه : لأنه غير ما وجب عليه كمن أخرج شعيرا عن زكاة بر ، ودراهم عن زكاة دنانير .
والوجه الثاني : وهو منصوص الشافعي أنه يجزيه قال : لأنه أغلى مما وجب عليه كمن وجبت عليه سن فأخرج أعلى منها .