فصل : فإن
كان أهل البادية يقتاتون اللبن ، فإن قلنا : إنهم لو اقتاتوا الأقط لم يجز لهم إخراجه لم يجز لهم إخراج اللبن أيضا ، وإن قلنا يجوز ففي جواز إخراج اللبن إذا كان قوتا لهم وجهان :
أحدهما : يجوز كالأقط ، وهو مذهب
الحسن البصري ، وقد حكاه
ابن أبي هريرة عن
الشافعي في القديم .
والوجه الثاني : لا يجوز وهو الأصح .
والفرق بينه وبين الأقط ثبوت الأثر في الأقط وعدمه في اللبن ، ولأن الأقط في حال ادخاره فجاز كالتمر ، واللبن بخلافه فلم يجز كالرطب ، فأما المصل والكشك فلا يجوز لهم إخراجه : لأنه مما لا يمكن اقتياته مفردا ، فأما أهل جزائر البحر الذين يقتاتون السموك ، وأهل الفلوات النائية الذين يقتاتون البيض ولحوم الصيد ، فلا يجوز لهم إخراجه في زكاة فطرهم لا يختلف فيه المذهب : لأن حالهم نادرة ، وقوتهم غير راجع إلى أثر ، فأما أهل الحضر فلا يجوز لهم إخراج الأقط وإن كان لهم قوتا : لأن ذلك نادر فإن قيل : فقد قال
أبو سعيد كنا نخرج الأقط وهو من أهل الحضر ، قلنا : قد كان
أبو سعيد يسكن البادية كثيرا ، ألا ترى إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذا كنت في باديتك فارفع صوتك بالآذان على أنه قال : " كنا نخرج " كناية عنه وعن غيره ممن كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد كان كثير منهم أهل بادية .