[ ص: 390 ] باب الاختيار في صدقة التطوع
قال
الشافعي رحمه الله تعالى : " أخبرنا
أنس بن عياض عن
هشام بن عروة عن أبيه عن
أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
nindex.php?page=hadith&LINKID=922275خير الصدقة عن ظهر غنى وليبدأ أحدكم بمن يعول ( قال ) : فهكذا أحب أن يبدأ بنفسه ثم بمن يعول : لأن نفقة من يعول فرض ، والفرض أولى به من النفل ثم قرابته ثم من شاء ، وروي أن
امرأة ابن مسعود كانت صناعا ، وليس له مال فقالت : لقد شغلتني أنت وولدك عن الصدقة ، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال : " لك في ذلك أجران فأنفقي عليهم " والله أعلم " .
قال
الماوردي : أما
صدقة التطوع قبل أداء الواجبات من الزكوات والكفارات ، وقبل الإنفاق على من تجب نفقتهم مع الأقارب والزوجات فغير مستحقة ، ولا مختارة لقوله صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=922276خير الصدقة عن ظهر غنى ، وليبدأ أحدكم بمن يعول وفي قوله : " عن ظهر غنى " تأويلان :
أحدهما : بعد استغناء نفسه عن تتبع ما يخرجه عن يده .
والثاني : بعد استغنائه عن أداء الواجبات .
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
لا يقبل الله النوافل إلا بعد إحكام الفرائض وفيه
أيضا تأويلان :
أحدهما : لا يقبل الله النوافل كاملة إلا بعد أحكام الفرائض .
والثاني : أنه لا يقبلها في الآخرة إلا بعد إحكام الفرائض ، ويحتسب بالنوافل عن الفرائض ، فإذا كملت الفرائض تقبل النوافل ، وقد جاء الخبر بهذا ، فإذا أدى الرجل ما وجب عليه في ماله من نفقات من تجب عليه نفقته ، ومن إخراج ما وجب عليه إخراجه استحببنا
[ ص: 391 ] حينئذ أن يتصدق بشيء من ماله فقد روى
أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : والذي نفسي بيده ما من عبد يتصدق بصدقة من كسب طيب ، ولا يقبل الله إلا طيبا ولا يصعد إلى السماء إلا طيبا ، كما يضعها في يد الرحمن فيربيها كما يربي أحدكم فلوه ، حتى اللقمة فتأتي يوم القيامة وإنها لمثل الجبل العظيم ثم قرأ :
ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات [ التوبة : 104 ] واختلف الناس في قدر ما يستحب له أن يتصدق به .
فقال قوم : بجميع ماله كفعل
أبي بكر رضي الله عنه .
وقال آخرون بنصفه كفعل
عمر رضي الله عنه وقال آخرون : بثلثه ، كفعل
ابن عمر رضي الله عنه ، والذي عندنا أن الاستحباب في ذلك معتبر بحال المصدق ، فإن كان حسن اليقين قنوعا ، لا يقنطه الفقر ولا يسأل عند العدم ، فالأولى أن يتصدق بجميع ماله ، فقد روى
زيد بن أسلم عن أبيه قال : سمعت
عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=922278أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق فوافق ذلك مالا عندي فقلت : اليوم أسبق أبا بكر رضي الله عنه إن سبقته يوما ، فجئت بنصف مالي فقال : ما أبقيت لأهلك ؟ قلت مثله قال ، وأتى أبو بكر بكل ما عنده فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ما أبقيت لأهلك ؟ فقال أبقيت لهم الله ورسوله . فقلت لا أسابقك إلى شيء أبدا فرسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أقر
أبا بكر رضي الله عنه على ذلك واستحسنه لما علم من قوة إيمانه وصحة يقينه ، وقال صلى الله عليه وسلم
أنفق بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالا فأما من كان ضعيف اليقين يطعنه الفقر ، ويسأل عند العدم فالأولى أن لا يتصدق بجميع ماله بل يتصدق بحسب حاله ، ألا ترى إلى ما روى
محمود بن لبيد عن
جابر قال
nindex.php?page=hadith&LINKID=922279كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل بمثل بيضة من ذهب فقال : يا رسول الله أصبت هذه من معدن فخذها فهي صدقة لا أملك غيرها ، فأعرض عنه حتى أتى بها مرارا ، فأعرض ثم أخذها فحذفه بها فلو أصابته لأوجعته ، ثم قال : يأتي أحدكم بما يملك فيقول هذه صدقة ثم يقعد فيسأل الناس ، خير الصدقات ما أبقت غنى وأراد
غيلان بن سلمة أن يوصي بماله
[ ص: 392 ] كله للمساكين فأكرهه
عمر بن الخطاب رضي الله عنه حتى رجع فيه ، وقال : لو مت على رأيك لرجمت قبرك كما يرجم قبر أبي رغال .