الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وإن وطئ امرأته وأولج عامدا فعليهما القضاء والكفارة " .

قال الماوردي : أما الصائم فممنوع من الوطء إجماعا ، فإن وطئ في صوم رمضان فقد أفسد صومه ، ولزمه القضاء والكفارة ، وحكي عن سعيد بن جبير والشعبي والنخعي ، أن عليه القضاء ولا كفارة قياسا على الأكل ، وعلى من وطئ في الصلاة ، وهذا خطأ والإجماع منعقد على خلافه ، فلا معنى للاحتجاج عليه مع حديث الأعرابي على ما رواه الشافعي عن سفيان عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبى هريرة أن أعرابيا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يلطم نحره وينتف شعره ، وهو يقول : هلكت وأهلكت ، وروي في بعض الأخبار أحرقت واحترقت فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " ما الذي أهلكك " ؟ فقال : وقعت على امرأتي وأنا صائم في شهر رمضان ؛ فقال : " اعتق رقبة " فقال : لا أجد فقال : " صم شهرين متتابعين " فقال : لا أستطيع فقال : " أطعم ستين مسكينا مدا مدا " ، قال : لا أجد ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر وروي مكتل فقال : " أطعم ستين مسكينا " فقال يا رسول الله والذي بعثك بالحق نبيا ما بين لابتيها أحوج منا إليه بيتا ، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه وقال : " خذه فكله " . فإن قيل : هذا وارد في سلمة بن صخر حين ظاهر من امرأته قلنا : حديث سلمة بن صخر غير حديث الأعرابي ؛ لأنه وارد في الظهار وروي عن سلمة أنه أراد وطأ امرأته في ليل رمضان ، فرأى خلخالا لها في ليلة فأعجبته فظاهر منها ، ثم وثب عليها فواقعها . والأعرابي فإنما وطئ في نهار رمضان ، فلم يشتبها ، فأما ما سوى رمضان من النذور والكفارات ، وقضاء رمضان ، وصوم التطوع فلا كفارة على الواطئ في شيء منه ، وحكي عن قتادة وأبي ثور أنهما أوجبا الكفارة على الواطئ في قضاء رمضان ، وهذا مذهب يفارق قول الجماعة ؛ لأن الكفارة إنما وجبت في صوم شهر رمضان لتأكد حرمته ، وتعيين زمانه ، وإن الفطر لا يتخلله والقضاء مخالف له .

التالي السابق


الخدمات العلمية