مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : " والكفارة واحدة عنه وعنها " .
قال
الماوردي : قد دللنا على وجوب
الكفارة ، فإذا استقر وجوبها ، فمذهب
الشافعي وما نص عليه في كتبه القديمة والجديدة ، أن الواجب كفارة واحدة على الزوج دونها وفي كيفية وجوبها عليه قولان :
[ ص: 425 ] أحدهما : وهو منصوص
الشافعي . أنها وجبت عليها ، ثم تحمل الزوج عنها .
والثاني : أنها وجبت ابتداء على الزوج . وذكره
الشافعي في بعض أماليه أن عليهما كفارتين ، فخرجه أصحابنا قولا ثانيا : وليس بصحيح ، وبه قال
أبو حنيفة ومالك ، واستدلوا على ذلك بأنهما لما اشتركا في سائر موجبات الوطء من المأثم والقضاء ، ووجوب الغسل والعقوبة ، وجب أن يشتركا في الكفارة أيضا ، فيلزم كل واحد منهما كفارة ، ولأنهما اشتركا في سبب تجب به الكفارة ، فوجب أن يلزم كل واحد منهما كفارة كالقتل ، ولأن النكاح عقد من العقود ، فوجب أن لا تتحمل به الكفارة ، أصله عقد البيع ، والإجارة قالوا : ولأنه لا يخلو إيجابكم الكفارة الواحدة من أحد أمرين : إما أن تجب على الزوج وحده أو تجب عليهما معا ، فيبطل أن تجب على الزوج وحده لاشتراكهما في موجب الكفارة وهو الوطء ، ويبطل أن تجب عليهما معا ؛ لأنه يقتضي أن يلزم كل واحد منهما نصف كفارة وهذا خلاف الأصول ، والدلالة على صحة ما قلناه في وجوب كفارة واحدة عليهما ، ما رويناه في حديث الأعرابي ، وقوله صلى الله عليه وسلم " اعتق رقبة " والدليل في هذا الخبر من وجهين :
أحدهما : أن الأعرابي إنما سأله عن فعل شارك فيه زوجته مع جهلهما بحكمه ، فاقتضى أن يكون جوابه حكما لجميع الحادثة .
والثاني : أنه لما كان تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز ، ولم ينقل عنه أنه أمر المرأة بالكفارة ، ولا راسلها بإخراجها مع جهلها بالحكم ، فيما دل على أن الكفارة لا تلزمها فإن قيل : إنما لم يأمرها بالكفارة ، لأنها مكرهة لقول الأعرابي هلكت وأهلكت ، قيل : المنقول في الخبر غير هذا على أنه لو صح لكان هو الحجة في عدم الإكراه ؛ لأن المكرهة لا تهلك بفعل ما أكرهت عليه ، ولا يلحقها فيه إثم فلما ذكر أنه أهلكها علم أنه سألها فطاوعته ، فهلكت بمطاوعته ، ولأنه حق في مال يتعلق بالوطء ، فوجب أن يختص الزوج بتحمله كالمهر ، فأما ما احتجوا به من اشتراكهما في الإثم والقضاء ، فجمع بلا معنى على أن الكفارة يعتبر بها الفعل ، وإنما لا يعتبر بها الفاعل ، وقد يجوز أن يشتركا في الفعل ، ويختلف أحكامهما باختلاف أحوالهما كالزنا ، وأما قياسهم على كفارة القتل ، فالمعنى فيه أنه ليس من موجبات الوطء ، وأما قياسهم على عقد البيع فالمعنى فيه أنه لا يوجب النفقة والكسوة وزكاة الفطر .
وقولهم : لا يخلو حال الكفارات ، إما أن تجب على الزوج ، أو عليهما قلنا : فيه قولان :
[ ص: 426 ] الصوم أحدهما : أنها وجبت على الزوج وحده ، وهذا غير ممتنع كما يشتركان في الوطء ، ويختص الزوج بالتزام المهر .
والثاني : أنها وجبت عليهما ، وهذا غير ممتنع كما يشتركان في قتل صيد فيكون الجزاء بينهما .