مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : "
والحامل والمرضع إذا خافتا على ولدهما أفطرتا وعليهما القضاء وتصدقت كل واحدة منهما عن كل يوم على مسكين بمد من حنطة ، ( قال
المزني ) كيف يكفر من أبيح له الأكل والأفطار ولا يكفر من لم يبح له الأكل فأكل وأفطر ؟ وفي القياس أن الحامل كالمريض وكالمسافر ، وكل يباح له الفطر فهو في القياس سواء ، واحتج بالخبر
nindex.php?page=hadith&LINKID=922346 " من استقاء عامدا فعليه القضاء ولا كفارة " ( قال
المزني ) ولم يجعل عليه أحد من العلماء علمته فيه كفارة وقد أفطر عامدا وكذا قالوا في الحصاة يبتلعها الصائم .
قال
الماوردي : لا يخلو حال الحامل والمرضع في إفطارهما من أحد أمرين : إما أن يفطرا لخوف وحاجة أم لا ؟ فإن أفطرتا بغير خوف عليهما ولا على ولدهما ولا حاجة دعتهما إلى الإفطار ماسة فحكمهما حكم المفطر عامدا في الإثم والمعصية ، ووجوب القضاء فأما الكفارة فعلى اختلافهم فيها ، وإن أفطرتا لخوف فذلك ضربان :
أحدهما : أن يكون الخوف عليهما في أنفسهما وأبدانهما ، فلا شبهة في جواز فطرهما ووجوب القضاء عليهما ، ولا كفارة كالمريض .
والضرب الثاني : أن يكون الخوف على الولد والحمل دون أنفسهما فلا خلاف أن الفطر مباح لهما ، فإذا أفطرتا فمذهب
الشافعي في القديم والجديد ، وما نقله
المزني والربيع [ ص: 437 ] أن عليهما القضاء والكفارة في كل يوم مد من حنطة ، وبه قال
مجاهد وأحمد ، وقال
الشافعي : في كتاب " البويطي " تجب الكفارة على المرضع دون الحامل ، وبه قال
مالك ، وقال
أبو حنيفة والثوري وأبو عبيد وأبو ثور والمزني : لا كفارة على واحدة منهما ، وإنما يستحب ذلك لهما ، ومن أصحابنا من خرجه قولا ثالثا
للشافعي ، ومنهم من أنكره ، وحكي عن
عمر وابن عباس أنهما أوجبا الكفارة وأسقطا القضاء ، واستدل
أبو حنيفة ومن تابعه برواية
أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=921728 " إن الله وضع عن المسافر شطر الصلاة ، ووضع الصوم عن المريض والمسافر والحامل والمرضع " . فاقتضى ظاهر هذا الخبر ، أن أحكام الصوم موضوعة من كفارة وقضاء إلا ما قام دليله من وجوب القضاء ، قالوا : ولأنه إفطار بعذر فوجب أن لا تلزم به الكفارة كالمسافر والمريض ، قالوا : ولأن
الأعذار في الفطر ضربان :
ضرب يوجب القضاء ، ويسقط الكفارة كالسفر والمرض .
وضرب يوجب الكفارة ويسقط القضاء كالشيخ الهرم ، فأما اجتماعهما بعذر فخلاف الأصول ، ومما استدل به
المزني أنه قال : إذا كان الأكل عامدا لا كفارة عليه مع كونه آثما عاصيا ، فالحامل والمرضع اللذان لم يعصيا بالفطر ، ولم يأثما به أولى أن لا تجب عليهما الكفارة ، وهذا خطأ والدلالة على وجوب الكفارة عليه قوله تعالى :
وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين [ البقرة : 184 ] والحامل والمرضع ممن يطيق الصيام فوجب بظاهر هذه الآية أن تلزمهما الفدية ، فإن قيل : فهذه الآية منسوخة بقوله تعالى :
فمن شهد منكم الشهر فليصمه [ البقرة : 185 ] فحتم الصوم على المطيقين ، وأسقط عنهم الفدية قيل : إنما نسخ منها التخيير ، فيما عدا الحامل والمرضع على حكم الأصل لاتفاقهم على جواز الفطر لهما مع الطاقة والقدرة ، فبقيت الحامل والمرضع على حكم الأصل ، ولأنها مقيمة صحيحة باشرت الفطر بعذر معتاد فوجب أن تلزمها الكفارة كالشيخ الهرم ، ولأن الصوم عبادة يجتمع فيها القضاء والكفارة العظمى فجاز أن يجتمع فيها القضاء والكفارة الصغرى كالحج ، ولأن الفطر فطران : فطر بعذر وفطر بغير عذر ، ثم كان الفطر بغير عذر يتنوع نوعين ، نوع يثبت به القضاء حسب وهو الأكل ، ونوع يثبت به القضاء والكفارة وهو الجماع فكذلك يقتضي أن يتنوع الفطر بعذر نوعين ، نوع يجب به القضاء حسب ، ونوع يجب به القضاء والكفارة ، وإن شئت حررت هذا فقلت : لأنه أحد نوعي الفطر فجاز أن يكون منه ما يجب به القضاء والكفارة كالإفطار بغير عذر ، فأما الخبر فلا حجة فيه ؛ لأن سقوط انحتام الصوم ، لا يؤذن بسقوط الكفارة ، ألا ترى الشيخ الهرم قد سقط عنه انحتام الصوم ، ولزمته الكفارة وقياسهم على
[ ص: 438 ] المسافر والمريض ، فالمعنى فيه : أنه فطر يختص بنفسه ارتفق به شخص واحد ، وهذا فطر ارتفق به شخصان فشابه الجماع ، وأما قولهم : إن في اجتماعهما مخالفة للأصول فغير صحيح ؛ لأنه إنما يكون مخالفا للأصول إذا وافق معنى الأصول وخالفها في الحكم ، فأما إذا خالفها في المعنى فيجب أن يخالفها في الحكم ، كما أن المعنى في المسح على الخفين لما كان مخالفا لمعنى المسح على العمامة والقفازين أوجب اختلاف الحكم فيهما ، والمعنى في الحامل والمرضع أنه فطر ارتفق به شخصان فشابه الجماع ، وخالف المسافر والمريض ، وأما ما ذكره
المزني ، فيقال له : ليست الكفارات معتبرة بكثرة الآثام والمعصية ، وإنما هي حكمة استأثر الله تعالى بعلمها ألا ترى أن الردة في شهر رمضان أعظم من الوطء ، ثم لا كفارة فيها على أن معناهما يتفرق بما ذكرنا .