مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : " وإذا استنشق رفق فإن استيقن أنه قد وصل إلى الرأس أو الجوف في المضمضة وهو عامد ذاكر لصومه أفطر ( وقال ) في كتاب
ابن أبي ليلى لا يلزمه حتى يحدث ازدرادا فأما إن كان أراد المضمضة فسبقه لإدخال النفس وإخراجه فلا يعيد وهذا خطأ في معنى النسيان أو أخف منه ( قال
المزني ) إذا كان الآكل لا يشك في الليل فيوافي الفجر مفطرا بإجماع وهو بالناسي أشبه ؛ لأن كليهما لا يعلم أنه صائم والسابق إلى جوفه الماء يعلم أنه صائم فإذا أفطر في الأشبه بالناسي كان الأبعد عندي أولى بالفطر " .
قال
الماوردي :
من أراد المضمضة والاستنشاق في صومه ، فالأولى له أن يرفق ولا يبالغ ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر
لقيطا بذلك ، فإن
تمضمض واستنشق فوصل الماء إلى رأسه أو جوفه فله ثلاثة أحوال :
أحدها : أن يكون ناسيا لصومه ، فلا شيء عليه وهو على صومه كالآكل ناسيا .
والثاني : أن يكون ذاكرا لصومه قاصدا لإيصال الماء إلى جوفه أو رأسه فهذا يفطر وعليه القضاء ، كالآكل عامدا ، والحال الثالثة : أن يكون ذاكرا لصومه غير قاصد إلى إيصال الماء إلى جوفه ، وإنما سبقه الماء وغلبه فهذا على ضربين :
[ ص: 458 ] أحدهما : أن يكون قد بالغ في الاستنشاق .
والثاني : لم يبالغ ، فإن بالغ فقد أفطر ولزمه القضاء ؛ لأن ذلك حادث عن سبب مكروه
كالإنزال إذا حدث عن القبلة ، وكان بعض أصحابنا
البغداديين لا يفرق بين المبالغة وغيرها ، وليس يصح لما ذكرنا ، فإن لم يبالغ ففيه قولان :
أحدهما : قد أفطر ولزمه القضاء ، وبه قال
مالك وأبو حنيفة وأكثر الفقهاء ، واختاره
المزني ووجهه ما روي أن
عمر بن الخطاب رضي الله عنه
nindex.php?page=hadith&LINKID=922399سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قبلة الصائم فقال : " أرأيت لو تمضمضت " فشبه القبلة بالمضمضة ، ثم كانت القبلة مع الإنزال تفطر ، فكذلك المضمضة مع الازدراد ،
ولقوله صلى الله عليه وسلم في الاستنشاق : " إلا أن تكون صائما فترفق " خوفا من إفطاره بوصول الماء إلى رأسه ، ولأن الأسباب الحادثة عن الأفعال تجري مجرى المباشرة لها في الحكم كالجنابة ، يجب القود فيها بالمباشرة والسراية فكذلك المضمضة والاستنشاق يجب أن يستوي حكم السبب فيهما والمباشرة ، ولما ذكره
المزني من قياسه على الأكل شاكا في الفجر .
والقول الثاني : نص عليه في اختلاف
أبي حنيفة وابن أبي ليلى ، أنه على صومه ، وبه قال
الحسن وأحمد وإسحاق وأبو ثور .
ووجه هذا القول هو أنه مغلوب على هذا الفعل فصار بمثابة من أكره على الأكل ، ولأنه وصل إلى جوفه من غير قصده ، فوجب أن لا يفطر ، أصله الذباب إذا طار إلى حلقه ، ولأن الفطر يقع تارة بما يصل إلى الجوف ، وتارة بما ينفصل عنه ، ثم تقرر أن ما ينفصل عنه بلا اختيار كالقيء والإنزال لا يفطر ، فكذلك ما وصل إليه من المضمضة بالاختيار ، وهذان القولان في صوم الفرض والنفل سواء ، وحكي عن
الشعبي والنخعي وابن أبي ليلى وهو قول
ابن عباس أنه إن توضأ لنافلة أفطر ، وإن توضأ لفريضة لم يفطر ؛ لأنه في الفريضة مضطر ، وفي النافلة مختار وهذا خطأ من وجهين :
أحدهما : أنه في الطهارتين غير مضطر إلى المضمضة والاستنشاق ، لأنهما سنتان في الطهارتين معا .
والثاني : أن حكم الفطر في الاضطرار والاختيار سواء ؛ لأنه لو
أجهده الصوم ، فأكل خوف التلف أفطر ، ولو ابتدأ الأكل من غير خوف أفطر ، فدل على أن لا فرق بين الموضعين والله أعلم .