فصل : فإذا كملت الشرائط التي يلزم بها فرض الحج ببذل الطاعة ، فعلى المبذول له الطاعة أن يأذن للباذل أن يحج عنه بوجوب الفرض عليه . إذا
أذن له وقبل الباذل إذنه فقد لزمه أن يحج عنه متى شاء ، وليس له الرجوع بعد القبول ، فإن قيل : فبذله للطاعة وقبوله للإذن جار مجرى الهبة قبل القبض فاقتضى أن يكون مخيرا في الرجوع قبل الإحرام ، قيل : قد ذهب إلى هذا بعض أصحابنا البصريين ، وليس بصحيح لأن بذله للطاعة قد ألزم غيره فرضا لم يكن ، وفي رجوعه إسقاط للفرض قبل أدائه ، ولا يجوز إسقاط الفرض بعد وجوبه إلا بأدائه ، فلذلك لم يكن له الرجوع بعد البذل والقبول ، وليست الهبة من هذا السبيل على أن قبوله الإذن بعد البذل يجري مجرى الهبة بعد القبض فإن قيل : فلو بذل الماء لغيره في السفر عند عدمه ، لم يلزمه إقباضه وجاز له الرجوع فيه ، وإن كان قد ألزم غيره فرضا ببذله فهلا كان في بذل الحج كذلك ، قيل الفرق بينهما من وجهين :
أحدهما أن بذل الماء ليس بموجب لفرض الطهارة ، وإنما غير صفة الأداء ، وبذل الحج أوجب فرضه .
والثاني : أن المبذول له الماء يرجع إلى بذل يقوم مقام استعمال الماء ، وهو التيمم وليس للحج بدل يرجع إليه المبذول له ، فافترقا من هذين الوجهين فإذا تقرر هذا فعلى المبذول له أن يأذن ، وعلى الباذل أن يحج ، فإن امتنع المبذول له من الإذن ، فهل يقوم الحاكم مقامه في الإذن للباذل أم لا على وجهين :
أحدهما : وهو قول
أبي إسحاق يقوم الحاكم مقامه ، فيأذن للباذل في الحج لأن الإذن قد لزمه ومتى امتنع من فعل ما وجب عليه ، قام الحاكم مقامه في استيفاء ما لزمه كالدين .
والوجه الثاني : وهو الصحيح إن إذن الحاكم لا يقوم مقام إذنه لأن البذل كان لغيره ، فإن أذن المبذول له قبل وفاته انتقل الفرض عنهم إلى الباذل ، وإن لم يأذن حتى مات لقي الله سبحانه ، وفرض الحج واجب عليه ، فلو حج الباذل بغير إذن المبذول له كانت الحجة
[ ص: 12 ] واقعة عن نفسه ، لأن الحج على الحي لا يصح بغير إذنه ، وكان فرض الحج باقيا على المبذول له .