الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإذا ثبت أن التيمم لا يرفع الحدث ، وأن النية فيه واجبة فله في نيته ستة أحوال :

أحدها : أن ينوي رفع الحدث فتيممه باطل به : لأن التيمم إذا كان لا يرفع الحدث فهذه النية مخالفة لحكمه فلا يصح التيمم بها ومن أصحابنا من قال يجزئه تيممه ، لأن المعنى المقصود برفع الحدث إنما هو استباحة الصلاة .

والتيمم مبيح للصلاة ، وإن لم يرتفع الحدث .

والحال الثانية : ينوي استباحة الصلاة .

فيصح التيمم للنوافل ولا يصح للفرائض لأن التيمم تستباح به النوافل من غير تعيين ، ولا يستباح به الفرض إلا بتعيين ، ولا يجوز أن يطوف به لأن الطواف ليس بصلاة ، فلم يدخل فيما نوى من استباحة الصلاة ، وهل يجوز أن يصلي به ركعتي الطواف أم لا ؟ على وجهين مخرجين من اختلاف قوليه " في ركعتي الطواف هل هي واجبة أو سنة " فإن قيل : إنها واجبة لم يجز أن يصليها بهذا التيمم .

وإن قيل : إنها سنة ، جاز ، ولكن يجوز أن يحمل به المصحف ، ويقرأ به القرآن إن كان جنبا ، بخلاف الطواف : لأن الطواف عبادة مقصودة .

والحال الثالثة : أن ينوي صلاة النافلة فيجوز له أن يصلي به من النوافل ما شاء من غير عدد محصور ، ولا يجوز أن يصلي به الفريضة ، وقال أبو حنيفة : إذا تيمم للنافلة جاز أن يصلي به الفريضة استدلالا بأن كل طهارة صح استباحة النفل بها صح استباحة الفرض بها كالوضوء : لأن كل صلاة صح فعلها من المتوضئ صح فعلها من المتيمم كالنفل .

[ ص: 245 ] ودليلنا هو تيمم لم ينو به الفرض فلم يجز أن يؤدي به الفرض قياسا عليه إذا تيمم ولم ينو ، ثم يقال له الكلام في هذه المسألة ينبني على أصلين :

أحدهما : أن التيمم لا يرفع الحدث وقد مضى الكلام فيه ، وإذا لم يرفعه تعينت النية لما يستباح به لتكون النية مختصة بعبادة ، وإذا لزم تعيين النية بالعبادة المستباحة لم يجز أن يؤدي الفريضة بنية النفل لأن الفرض متنوع ، وهذا أغلظ حكما ، والنفل تبع ، وهو أخف حكما .

والأصل الثاني : أن التيمم الواحد لا يستباح به أداء فرضين ، والكلام فيه يأتي ومعناه المانع منه أن الصلاة الثانية ليست تبعا للأولى وكذا الفريضة ليست تبعا للنافلة ، فأما الجواب عن قياسه على الوضوء فالمعنى فيه : أنها طهارة رفاهة فكان حكمها أقوى في أداء الفرض بتيمم النفل ، والتيمم طهارة ضرورة فضعف حكمها عن أداء الفرض بتيمم النفل ، وأما الجواب عن قياسه على النفل فنحن لا نمنع من أداء الفرض بالتيمم إذا نوى به الفرض فصرنا قائلين بموجبه ، ثم المعنى في النفل أنه كان أخف حكما جاز أن يستباح بتيمم لم يقصد له والفرض أغلظ حكما فلم يجز أن يستباح بتيمم لم يقصد له .

والحال الرابعة : أن ينوي تيمم صلاة الفرض فيجزئه للفريضة والنوافل ، لكن اختلف أصحابنا هل يلزمه تعيين الفرض الذي يريد أن يتيمم له أم لا ؟ على وجهين :

أحدهما : لا يلزمه فإذا نوى تيمم صلاة الفرض جاز أن يؤدي به أي فرض شاء من ظهر أو عصر أو غير ذلك ، فإذا أدى به فرضا واجبا لم يجز أن يؤدي به فرضا فائتا ، ويصلي به ما شاء من النوافل ، وعلى هذا لو نوى بتيممه صلاة الظهر فلم يصلها وأراد أن يصلي به فرضا غيرها من فائتة أو غير فائتة جاز : لأنه تيمم كامل لفرض لم يؤده .

والوجه الثاني : أن تعيين نية الفرض في تيممه واجبة وإن لم يعين في نية الفرض الذي يريد أن يؤديه لم يجز أن يصلي به فرضا ، وجاز أن يصلي به النوافل ، لأن التيمم أضعف من الوضوء فلزمه تعيين الصلاة التي تؤدى في نيته ، فعلى هذا لو تيمم لصلاة الظهر ثم أراد أن يصلي بتيممه عند الظهر فرضا فائتا لم يجز .

والحال الخامسة : أن ينوي بتيممه ما لا يجوز فعله بغير طهارة ، مثل أن ينوي المحدث بتيممه حمل المصحف أو ينوي الجنب بتيممه قراءة القرآن أو تنوي الحائض بتيممها وطأ الزوج ، فيجوز أن يفعل به ما نوى ، ولا يجوز أن يصلي به فرضا : لأنه لم يقصده ، وهل يجوز أن يصلي به النفل أم لا على وجهين : [ ص: 246 ] أحدهما : يجزئه لأن النفل لا يفتقر إلى تعيين النية له بخلاف الفرض .

والوجه الثاني : لا يجزئه لأن نفل الصلاة أوكد مما يتيمم له فلم يجز أن يستبيحه بتيمم ما هو أخف منه كما أن الفرض لما كان أوكد من النفل لم يستبح بتيمم النفل .

الحال السادسة : أن ينوي التيمم وحده أو ينوي الطهارة وحدها فيكون تيمما باطلا لا يجوز أن يستبيح به فرضا ولا نفلا ولا ما كان على المحدث محظورا : لأن التيمم إنما أبيح للضرورة عند حضور فعل لا يجوز إلا به ، فضعف حكمه عن أن يصح إلا بمجرد نيته والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية