فصل : فإذا ثبت أن التيمم لا يرفع الحدث ، وأن النية فيه واجبة فله
في نيته ستة أحوال :
أحدها : أن
ينوي رفع الحدث فتيممه باطل به : لأن التيمم إذا كان لا يرفع الحدث فهذه النية مخالفة لحكمه فلا يصح التيمم بها ومن أصحابنا من قال يجزئه تيممه ، لأن المعنى المقصود برفع الحدث إنما هو استباحة الصلاة .
والتيمم مبيح للصلاة ، وإن لم يرتفع الحدث .
والحال الثانية :
ينوي استباحة الصلاة .
فيصح
التيمم للنوافل ولا يصح للفرائض لأن التيمم تستباح به النوافل من غير تعيين ، ولا يستباح به
الفرض إلا بتعيين ، ولا يجوز أن يطوف به لأن
الطواف ليس بصلاة ، فلم يدخل فيما نوى من استباحة الصلاة ، وهل يجوز أن
يصلي به ركعتي الطواف أم لا ؟ على وجهين مخرجين من اختلاف قوليه " في ركعتي الطواف هل هي واجبة أو سنة " فإن قيل : إنها واجبة لم يجز أن يصليها بهذا التيمم .
وإن قيل : إنها سنة ، جاز ، ولكن يجوز أن
يحمل به المصحف ، ويقرأ به القرآن إن كان جنبا ، بخلاف الطواف : لأن الطواف عبادة مقصودة .
والحال الثالثة : أن
ينوي صلاة النافلة فيجوز له أن يصلي به من النوافل ما شاء من غير عدد محصور ، ولا يجوز أن يصلي به الفريضة ، وقال
أبو حنيفة : إذا تيمم للنافلة جاز أن يصلي به الفريضة استدلالا بأن كل طهارة صح استباحة النفل بها صح استباحة الفرض بها كالوضوء : لأن كل صلاة صح فعلها من المتوضئ صح فعلها من المتيمم كالنفل .
[ ص: 245 ] ودليلنا هو
تيمم لم ينو به الفرض فلم يجز أن يؤدي به الفرض قياسا عليه إذا
تيمم ولم ينو ، ثم يقال له الكلام في هذه المسألة ينبني على أصلين :
أحدهما : أن التيمم لا يرفع الحدث وقد مضى الكلام فيه ، وإذا لم يرفعه تعينت النية لما يستباح به لتكون النية مختصة بعبادة ، وإذا لزم تعيين النية بالعبادة المستباحة لم يجز أن يؤدي الفريضة بنية النفل لأن الفرض متنوع ، وهذا أغلظ حكما ، والنفل تبع ، وهو أخف حكما .
والأصل الثاني : أن التيمم الواحد لا يستباح به أداء فرضين ، والكلام فيه يأتي ومعناه المانع منه أن الصلاة الثانية ليست تبعا للأولى وكذا الفريضة ليست تبعا للنافلة ، فأما الجواب عن قياسه على الوضوء فالمعنى فيه : أنها طهارة رفاهة فكان حكمها أقوى في أداء الفرض بتيمم النفل ، والتيمم طهارة ضرورة فضعف حكمها عن أداء الفرض بتيمم النفل ، وأما الجواب عن قياسه على النفل فنحن لا نمنع من أداء الفرض بالتيمم إذا نوى به الفرض فصرنا قائلين بموجبه ، ثم المعنى في النفل أنه كان أخف حكما جاز أن يستباح بتيمم لم يقصد له والفرض أغلظ حكما فلم يجز أن يستباح بتيمم لم يقصد له .
والحال الرابعة : أن
ينوي تيمم صلاة الفرض فيجزئه للفريضة والنوافل ، لكن اختلف أصحابنا
هل يلزمه تعيين الفرض الذي يريد أن يتيمم له أم لا ؟ على وجهين :
أحدهما : لا يلزمه فإذا نوى تيمم صلاة الفرض جاز أن يؤدي به أي فرض شاء من ظهر أو عصر أو غير ذلك ، فإذا
أدى به فرضا واجبا لم يجز أن يؤدي به فرضا فائتا ، ويصلي به ما شاء من النوافل ، وعلى هذا لو
نوى بتيممه صلاة الظهر فلم يصلها وأراد أن يصلي به فرضا غيرها من فائتة أو غير فائتة جاز : لأنه تيمم كامل لفرض لم يؤده .
والوجه الثاني : أن
تعيين نية الفرض في تيممه واجبة وإن لم يعين في نية الفرض الذي يريد أن يؤديه لم يجز أن يصلي به فرضا ، وجاز أن يصلي به النوافل ، لأن التيمم أضعف من الوضوء فلزمه تعيين الصلاة التي تؤدى في نيته ، فعلى هذا لو تيمم لصلاة الظهر ثم أراد أن يصلي بتيممه عند الظهر فرضا فائتا لم يجز .
والحال الخامسة : أن
ينوي بتيممه ما لا يجوز فعله بغير طهارة ، مثل أن ينوي المحدث بتيممه حمل المصحف أو ينوي الجنب بتيممه قراءة القرآن أو تنوي الحائض بتيممها وطأ الزوج ، فيجوز أن يفعل به ما نوى ، ولا يجوز أن يصلي به فرضا : لأنه لم يقصده ،
وهل يجوز أن يصلي به النفل أم لا على وجهين :
[ ص: 246 ] أحدهما : يجزئه لأن النفل لا يفتقر إلى تعيين النية له بخلاف الفرض .
والوجه الثاني : لا يجزئه لأن نفل الصلاة أوكد مما يتيمم له فلم يجز أن يستبيحه بتيمم ما هو أخف منه كما أن الفرض لما كان أوكد من النفل لم يستبح بتيمم النفل .
الحال السادسة : أن
ينوي التيمم وحده أو ينوي الطهارة وحدها فيكون تيمما باطلا لا يجوز أن يستبيح به فرضا ولا نفلا ولا ما كان على المحدث محظورا : لأن التيمم إنما أبيح للضرورة عند حضور فعل لا يجوز إلا به ، فضعف حكمه عن أن يصح إلا بمجرد نيته والله أعلم .