مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : " فإن أبقى شيئا مما كان يمر عليه الوضوء حتى صلى أعاد ما بقي عليه من التيمم ثم يصلي " .
قال
الماوردي : وهذا كما قال ،
استيعاب جميع الوجه والذراعين في التيمم واجب كالوضوء ، فكل موضع منهما لزم إيصال الماء إليه في الوضوء لزم إيصال الغبار إليه في التيمم ، فإن ترك من وجهه أو من ذراعيه شيئا لم يصل الغبار إليه وإن قل لم يجزه ، وقال
أبو حنيفة : إن
ترك أقل من قدر الدرهم أجزأه وكان معفوا عنه وإن ترك قدر الدرهم فصاعدا لم يجزه ، وبنى ذلك على أصله في أن قدر الدرهم حد للمعفو عنه في النجاسة ، فصار أصلا للمعفو عنه في التيمم ، ثم استدل بأن الغسل إذا تبدل بالمسح جاز أن لا يقع فيه الاستيعاب كالمسح على الخفين ، ودليلنا قوله تعالى :
فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه [ المائدة : 6 ] . وقد ثبت اتفاقنا وإياه أن الباء لم تدخل هاهنا للتبعيض فصارت الآية موجبة للتيمم ، ولأنها طهارة لم يسامح فيها بالدرهم فلم يسامح فيها بأقل من الدرهم كالوضوء ، ولأن ما لم يجز تركه من محل وضوئه لم يجز تركه من محل تيممه كالدرهم ، فأما الجواب عما ذكره من بنائه على أصله في النجاسة فمن وجهين :
أحدهما : أنه بنى خلافا ينازع فيه على أصل لا يسلم له .
والثاني : أنه جمع فاسد : لأنه جعل الدرهم في النجاسة ملحقا بما دونه في القلة فكان الدرهم في النجاسة قليلا ، وجعل الدرهم في التيمم ملحقا بما فوقه في الكثرة فكان الدرهم في التيمم كثيرا فلم يسلم له بناء أحدهما على الآخر ، وأما قياسه على المسح على الخفين فمنتقض بالمسح على اللصوق والجبائر هو بدل من الغسل ، ويلزم فيه الاستيعاب ، ثم المعنى في الخفين أنه بدل رخصة يجوز مع القدرة على الغسل ، فجاز الاقتصار على البعض ترفها ، والتيمم بدل ضرورة لا يجوز مع القدرة على الماء فلزم الاستيعاب فيه تغليظا .
[ ص: 249 ]