فصل : فإذا تقرر شرح المذهب وتوجيه القولين ، انتقل الكلام إلى التفريع عليهما في صفة الكفارة ، وكيفية التراجع ، فنبدأ أولا
بالحالق ، فإذا أراد أن يفتدي ، فهو مخير بين الدم ، أو الإطعام ، فأما الصيام فهو على وجهين :
أصحهما : يجزئه : لأن الوجوب مستقر عليه فكان مخيرا فيه .
والثاني : لا يجزئه ، مخرج من القول الذي يزعم أنه لو أعسر بها تحملها المحرم عنه ، فأما المحرم ، إذا أوجبنا عليه تحمل الفدية عند إعسار الحالق ، أو غيبته ، فهو مخير بين الدم ، والإطعام ، فأما الصيام ، فإنه لا يجزئه : لأنه يتحمل عن غيره ، وأعمال الأبدان لا يجوز تحملها عن الغير ، بأن افتدى بالدم ، أو الإطعام ، ثم أيسر الحالق بعد إعساره ، أو قدم بعد غيبته ، نظر ، فإن كان افتدى بأقل الأمرين ثمنا ، فله الرجوع على الحالق ، لأنه تحمل عنه ، وإن كان قد افتدى بأكثر الأمرين ثمنا ، فعلى وجهين :
أحدهما : لا رجوع له بشيء : لأنه غارم عن غيره ، فلم يكن له في إسقاط الحق شيء يقدر على إسقاطه بدونه ، وإذا لم يكن له ذلك صار كالمتطوع به .
والوجه الثاني : يرجع عليه بأقل الأمرين ثمنا : لأنه القدر الواجب ، والزيادة تطوع : فسقط رجوعه بالتطوع ، ولم يسقط رجوعه بالواجب .