فصل : فأما بعد الدباغة ففي جواز بيعه ورهنه قولان :
أحدهما : وهو قوله في القديم لا يجوز بيعه ، وبه قال
مالك لعموم قوله تعالى :
حرمت عليكم الميتة [ المائدة : 3 ] ولأن
إباحة الانتفاع بالميتة لا تقتضي جواز بيعها كالمضطر إلى أكلها ، ولأن تأثير الدباغة إنما هو التطهير ، وليس التطهير علة في جواز البيع كـ " أم الولد " .
والقول الثاني : وهو قوله في الجديد وبه قال
أبو حنيفة : إن بيعه جائز لأنه جلد طاهر فجاز بيعه كـ " المزكى " ولأن حدوث النجاسة إذا منع من جواز البيع كان مأذونا بجواز البيع كنجاسة الخمر إذا ارتفعت بانقلابها خلا ، ولأن دباغة الجلد قد أعادته إلى حكم الحياة ، فلما كان بيعه في الحياة جائزا اقتضى أن يكون بعد الدباغة جائزا .
فأما الآية فمخصوصة ، وأما المضطر إلى أكل الميتة فإنما استباحها لمعنى فيه لا في الميتة ، واستباحة الجلد لمعنى في الجلد لا في المستبيح .
[ ص: 66 ] وأما أم الولد فالمنع من بيعها لحرمتها ، فلم تكن طهارتها علما في جواز بيعها ،
وجلد الميتة لم يجز بيعه لنجاسته وكانت طهارته علما في جواز بيعه ، فإذا ثبت توجيه القولين في البيع والرهن تعلق بهما فرعان :
أحدهما : جواز أكله إن كان من جلد مأكول ، فإن قلنا : إن بيعه لا يجوز لم يجز أكله ، لأن تحريم بيعه لبقاء حكم موته ، وإن قلنا بجواز بيعه كان في جواز أكله وجهان :
أحدهما : يجوز لأن إباحته البيع لارتفاع حكم الموت .
والوجه الثاني : لا يجوز للنص على تحريم أكله بقوله عليه السلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=920602إنما حرم من الميتة أكلها " والفرع الثاني : في جواز
إجارته ، فإن قلنا بجواز بيعه جازت إجارته ، وإن قلنا ببطلان بيعه ففي جواز إجارته وجهان كالكلب المعلم .