فصل : ثم ينزل من
المروة فيمشي إلى
الصفا حتى ينتهي إلى الميلين الأخضرين اللذين قطع عندهما السعي حين أقبل من
الصفا ، فيسعى سعيا شديدا حتى ينتهي إلى وراء الميل الأخضر بنحو من ستة أذرع ، وهو المكان الذي بدأ بالسعي منه حين أقبل من
الصفا ، فيقطع السعي منه ، ويمشي حتى ينتهي إلى
الصفا ، ويختار أن يقول في سعيه الشديد بين الميلين "
رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم ، إنك أنت الأعز الأكرم ، تعلم ما لا نعلم " فقد روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فإذا انتهى إلى
الصفا رقي عليه ، وصنع مثل ما صنع من قبل ، وقد حصل له سعيان : السعي الأول من
الصفا إلى
المروة ، والسعي الثاني من
المروة إلى
الصفا : لأن الذهاب سعي ، والعود سعي ، هذا مذهب
الشافعي وسائر الفقهاء ، وحكي عن
ابن جريج أن سعيه من
الصفا إلى
المروة ، وعوده من
المروة إلى
الصفا سعي واحد ، فيكون أول سعيه من
الصفا وانتهاؤه إليه ، فيفعل هذا سبعا ، يبدأ
بالصفا ويختم
بالصفا ، وبه قال من أصحابنا
أبو سعيد الإصطخري وأبو بكر الصيرفي ؛ لأن الطواف لما كان ابتداؤه من الحجر وانتهاؤه إليه ، وكان ابتداء السعي من
الصفا ، وجب أن يكون انتهاؤه إليه ، وهذا الذي قاله خطأ قبيح : لأن السعي أمر مستفيض في الشرع ينقله الخاصة والعامة خلف عن سلف ، ليس بينهم فيه تنازع أنهم يبدؤون
بالصفا ، ويختمون
بالمروة ، فكان ذلك إجماعا منهم ، كإجماع على أن الظهر أربع والعصر أربع .
وأما ما استشهدوا به من الطواف فهو حجة عليهم : لأن الواجب في الطواف استيفاء جميع البيت في كل طوفة ، وذلك من الحجر فأوجبناه عليه ،
والواجب في السعي استيفاء جميع المسعى ، وذلك من
الصفا إلى
المروة فأوجبناه عليه .