فصل : فإذا ثبت أن إحرامه لا يصح بغير إذن وليه
فالأولياء على ثلاثة أقسام :
أحدها : ذوو الأنساب .
والثاني : أمناء الحكام .
والثالث : أوصياء الأباء ، فأما ذوو الأنساب فعلى ثلاثة أقسام :
أحدها : من يصح إذنه .
والثاني : من لا يصح إذنه .
والثالث : من اختلف أصحابنا في صحة إذنه ، فأما من يصح إذنه فهم الآباء والأجداد من قبل الآباء الذين يستحقون الولاية عليه في ماله ، وأما من لا يصح إذنه فهم من لا ولادة فيه
[ ص: 208 ] ولا تعصيب كالإخوة للأم ، والأعمام للأم والعمات من الأب والأم ، والأخوال والخالات من قبل الأب والأم ، فلا يصح إذنهم له في الإحرام وإن كان لهم ولاية في الحضانة لا يختلف أصحابنا فيه ، وأما من اختلف من أصحابنا في صحة إذنه فهم من عدا هذين الفريقين ، ولأصحابنا فيهم ثلاثة مذاهب بناء على اختلافهم في معنى إذن الأب والجد ، فأحد المذاهب الثلاث أن المعنى في إذن الأب والجد استحقاق الولاية عليه في ماله ، فعلى هذا لا يصح إذن الجد من الأم ، ولا يصح إذن الأخ والعم ؛ لأنهم لا يستحقون الولاية عليه في ماله ، وإلى هذا أشار صاحب كتاب " الإفصاح " فأما الأم والجد فعلى الصحيح من مذهب
الشافعي لا ولاية لها عليه بنفسها ، فعلى هذا لا يصح إذنها وعلى قول
أبي سعيد الإصطخري تلي عليه بنفسها ، فعلى هذا يصح إذنها له وقد روى
ابن عباس "
nindex.php?page=hadith&LINKID=922828أن امرأة أخذت بعضد صبي كان معها ، وقالت : ألهذا حج ؟ فقال : نعم ولك أجر " ومعلوم من قوله ولك أجر أن ذلك لإذنها له ، وبإنابتها عنه ، والمذهب الثاني : أن المعنى في إذن الأب والجد ما فيه من الولادة والعصبة ، فعلى هذا يصح إذن سائر الآباء والأمهات وجميع الأجداد والجدات من قبل الآباء والأمهات ؛ لوجود الولادة فيهم ، وقد روي أن
أبا بكر الصديق رضي الله عنه طاف
بعبد الله بن الزبير على يده ملفوفا في خرقة ، وكان ابن ابنته
أسماء رضي الله عنهم ، فأما سائر العصبات من الإخوة وبنيهم ، والأعمام وبنيهم فلا يصح إذنهم لعدم الولادة فيهم ، وإلى هذا ذهب أكثر أصحابنا البصريين ، وأشار إليه
أبو إسحاق المروزي .
والمذهب الثالث : أن المعنى في إذن الأب والجد وجود التعصيب فيهما ، فعلى هذا يصح إذن سائر العصبات من الإخوة ، وبنيهم والأعمام وبنيهم ، ولا يصح إذن الأم والجد للأم ؛ لعدم التعصيب وإلى هذا ذهب كثير من أصحابنا البغداديين ، وهذا الكلام في ذوي الأنساب ، فأما أمناء الحكام فلا يصح إذنهم له ، وهو إجماع علماء أصحابنا ؛ لأن ولايتهم تختص بماله دون بدنه ، فكانوا فيما سوى المال كالأجانب ، فلم يصح إذنهم ، فأما أوصياء الآباء ففيهم وجهان لأصحابنا :
أحدهما : يصح إذنهم كالآباء لنيابتهم عنهم .
والوجه الثاني : وهو أصح ، أن إذنهم لا يصح كأمناء الحكام ؛ لأن ولايتهم ليست بنفوسهم ؛ ولأنها تختص بأموالهم .