مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : "
وما عجز عنه الصبي من الطواف والسعي ، حمل وفعل ذلك به ، وجعل الحصى في يده ليرمي ، فإن عجز رمي عنه " .
قال
الماوردي : وجملة ذلك أن الصبي لا يخلو حاله من أحد أمرين : إما أن يكون مراهقا مميزا يقدر على أفعال الحج ، أو يكون طفلا يعجز عن ذلك ، فإن كان مميزا مراهقا أذن
[ ص: 209 ] له وليه في ذلك فإن أذن له فعل الحج بنفسه كغيره من البالغين ، وإن كان طفلا لا يميز فأفعال الحج على ثلاثة أضرب : ضرب يصح من الطفل من غير نيابة ، ولا معونة له ، وذلك الوقوف
بعرفة والمبيت
بمزدلفة ومنى ، وضرب لا يصح منه إلا بنيابة الولي عنه وذلك الإحرام ، وضرب يصح منه لكن بمعونة الولي له وذلك الطواف والسعي ورمي الجمار ، وسنذكرها فعلا فعلا ونوضح حكم كل فعل منها .
أما الإحرام فوليه ينوب عنه فيه فيحرم عنه .
واختلف أصحابنا
هل يجوز أن يكون الولي محرما أم لا ؟ على وجهين :
أحدهما : لا يصح إحرام الولي عنه إلا أن يكون حلالا ، فإن كان محرما لم يصح إحرامه عنه ؛ لأن من كان في نسك لم يصح أن يفعله عن غيره ، وهذا مذهب البصريين .
والوجه الثاني : يصح إحرام الولي عنه ، وإن كان محرما : لأن الولي لا يتحمل الإحرام عنه ، فيصير به محرما حتى يمنع من فعله عنه إذا كان محرما ، وإنما يعقد الإحرام عن الصبي فيصير الصبي محرما فجاز أن يفعل ذلك الولي ، وإن كان محرما ، وهذا مذهب البغداديين وعلى اختلاف الوجهين يختلف كيفية إحرامه عنه فعلى مذهب البصريين يقول عند الإحرام اللهم إني قد أحرمت عن ابني ، وعلى هذا يجوز أن يكون غير مواجه للصبي بالإحرام ولا مشاهد له ، إذا كان الصبي حاضرا في الميقات ، وعلى مذهب البغداديين يقول عند الإحرام : اللهم إني قد أحرمت ببني وعلى هذا لا يصح أن يكون غير مواجه للصبي بالإحرام ، فإذا فعل ذلك صار الصبي محرما دون الولي فيليه ثوبين ، ويأخذه باجتياب منه ما منع المحرم ، وأما الوقوف
بعرفة والمبيت
بمزدلفة ومنى ، فعلى وليه أن يحضره ليشهدها بنفسه ، وأما الرمي فإن أمكن وضع الحصاة في كفه ورميها في الجمرة من يده فعل ، وإن عجز الصبي عن ذلك أحضر الجمار ، ورمى الولي عنه ، وأما الطواف والسعي فعلى وليه أن يحمله فيطوف به ويسعى ، وعليه أن يتوضأ للطواف به ويوضئه ،
فإن كانا غير متوضئين لم يجزه الطواف ،
وإن كان الصبي متوضئا والولي محدثا لم يجزه أيضا ؛ لأن الطواف بمعونة الولي يصح ،
والطواف لا يصح إلا بطهارة ،
وإن كان متوضئا والصبي محدثا فعلى وجهين :
أحدهما : لا يجزئ ؛ لأن الطواف بالصبي أخص منه بالولي فلما لم يجز أن يكون الولي محدثا فأولى أن لا يكون الصبي محدثا .
والوجه الثاني : أنه يجزئ ؛ لأن الصبي إذا لم يكن مميزا بفعل الطهارة لا يصح منه ، فجاز أن تكون طهارة الولي نائبة عنه كما أنه لما لم يصح منه الإحرام صح إحرام الولي عنه ، ثم على وليه أن يصلي عنه ركعتي الطواف : لأن ذلك مخصوص : لجواز النيابة تبعا لأركان الحج ، فإن أركبه الولي دابة فكانت الدابة تطوف به لم يجز حتى يكون الولي معه سائقا أو
[ ص: 210 ] قائدا : لأن الصبي غير مميز ولا قاصد ، والدابة لا تصح منها عبادة ، ثم هل على وليه أن يرمل عنه ؟ على قولين مضيا .