مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : " ومن
أدرك عرفة قبل الفجر من يوم النحر فقد أدرك الحج ، واحتج في ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=922846 " من أدرك عرفة قبل الفجر من يوم النحر فقد أدرك الحج ( قال ) ومن فاته ذلك فاته الحج فآمره أن يحل بطواف وسعي وحلاق ( قال ) وإن حل بعمل عمرة فليس حجه صار عمرة ، وكيف يصير عمرة وقد ابتدأه حجا ( قال
المزني ) إذا كان عمله عنده عمل حج لم يخرج منه إلى عمرة ، فقياس قوله أن يأتي بباقي الحج وهو المبيت
بمنى والرمي بها مع الطواف والسعي ، وتأول قول
عمر : افعل ما يفعل المعتمر ، إنما أراد أن الطواف والسعي من عمل الحج لا أنها عمرة .
قال
الماوردي : قد دللنا على وجوب الوقوف
بعرفة ، وذكرنا
تحديد زمانه ، وأنه من زوال الشمس اليوم التاسع من ذي الحجة إلى طلوع الفجر من يوم النحر ، فمن
أدرك الوقوف بعرفة في هذا الزمان ساعة من ليل أو نهار فقد أدرك الحج ،
ومن فاته الوقوف بعرفة فيه في هذا الزمان ، فقد فاته الحج ،
وتعلق بالقران ثلاثة أحكام :
أحدها : إتمام الأركان .
والثاني : وجوب القضاء .
والثالث : وجوب الفدية ، فأما الحكم الأول وهو إتمام الأركان فعليه أن يأتي بعمل عمرة ليتحلل به من إحرامه ، وذلك طواف وسعي وحلاق ، من غير أن يصير حجه عمرة ، وسقط عنه الرمي والمبيت
بمزدلفة ومنى .
وقال
المزني ،
وأحمد بن حنبل : عليه أن يأتي بباقي الأركان والتوابع ، ولا يسقط عنه الرمي والمبيت
بمزدلفة ومنى .
وقال
المزني : فهو القياس على مذهب
الشافعي ، وقال
مالك في إحدى رواياته يكون باقيا على إحرامه حتى يقف
بعرفة في العام المقبل ، ويتم حجه .
وقال
أبو يوسف : ينقلب حجه فيصير عمرة ، فإذا تحلل من إحرامه بعمل العمرة أجزأته عن عمرة الإسلام ، وبه قال
عطاء ، واستدل
المزني بأن قال : العجز عن بعض الأركان لا يوجب سقوط غيره من السنن والهيئات ، كالعاجز عن ركن من أركان الصلاة ، واستدل بأن
[ ص: 237 ] قال : فوات بعض الأركان لا يبيح التحلل قبل كمال جميع الأركان ، كالعائد إلى بلده قبل الطواف لا يستبيح الإحلال من إحرامه قبل الطواف وكذا تارك الوقوف لا يستبيح التحلل من إحرامه قبل الوقوف ، واستدل
أبو يوسف بأن قال : الإحرام لا يصح إلا بنسك من المناسك ليخلص من الإشخاص ، ثم يثبت جواز انتقال الإحرام من شخص إلى شخص غيره ، وهو أن يحرم المعافى عن غيره ، ثم يفسد إحرامه بالوطء ، فينتقل عن غيره ويصير عن نفسه ، كذلك يجوز انتقال الإحرام من نسك إلى نسك غيره .
والدلالة على جميعهم إجماع الصحابة ، وهو ما روى
سليمان بن يسار أن
أبا أيوب خرج حاجا حتى إذا كان بالبادية من طريق
مكة أضل رواحله ، ثم إنه قدم على
عمر بن الخطاب رضي الله عنهما يوم النحر فذكر ذلك له ، فقال : اصنع كما يصنع المعتمر ، ثم قد حللت ، فإذا أدركت الحج من قابل فاحجج وأهد ما استيسر من الهدي .
وروي عنه أنه قال
لهبار بن الأسود مثله ، وروى
نافع عن
ابن عمر أنه قال : من فاته الحج فليطف ويسع ، وليحلق ، وليحج من قابل ، وليهد في حجه .
وروي مثله عن زيد بن ثابت ، وليس لهؤلاء الثلاثة من الصحابة مخالف فكان إجماعا ، فبطل به قول
المزني في إيجاب الرمي والمبيت
بمزدلفة ومنى : لأنهم لم يوجبوه ، وبطل به قول
مالك حين أوجب عليه البقاء على إحرامه ؛ لأنهم أمروا بالتحلل وأوجبوه ، وبطل به قول
أبي يوسف : لأن
عمر قال اصنع ما يصنع المعتمر ، وقال
ابن عمر : فليطف ويسع ويحلق ، فأمره أن يفعل مثل فعل المعتمر ، فدل على أنه ليس بمعتمر : لأن مثل العمرة غير العمرة ، ثم يدل على
المزني أن الرمي والمبيت من توابع الوقوف ، بدليل سقوطه في العمرة : لأنه ليس فيها وقوف ومن فاته الوقوف سقط عنه ، فوجب أن يسقط حكم توابعه .
وتحرير ذلك قياسا أنه نسك عري عن الوقوف ، فوجب أن يسقط فيه الرمي والمبيت كالعمرة ، ثم يدل على
مالك أن الوقوف معظم الحج : لأن إدراك الحج متعلق بإدراكه ، وفوات الحج مقرن بفواته ، فلو كان بفوات الوقوف باقيا على إحرامه ، لم يكن موصوفا بفوات الحج ، وفي إجماعهم على فوات الحج دليل على أنه يتحلل من إحرامه بالحج ، ثم يدل على
أبي يوسف أن النسك نسكان ، حج وعمرة ، فلما لم يجز انتقال العمرة إلى الحج بحال ، لم يجز انتقال الحج إلى العمرة بحال .
وتحرير ذلك قياسا أن نقول : لأنه إحرام انعقد بنسك فوجب أن لا ينتقل إلى غيره كالإحرام بالعمرة ، فأما ما استدل به
المزني من الصلاة ، فأما ما لم يكن عجزه عن بعض أركانها مسقطا لشيء من سننها وهيئاتها ؛ لأنه ينتقل عما عجز عنه إلى بدل يقوم مقامه ، كان ما عجز
[ ص: 238 ] عنه تبعا لبدله فلم يسقط عنه ، وليس كذلك الوقوف في الحج : لأنه لا بدل له ، فسقط عنه توابعه بفواته ، فأما ما استدل به
مالك من استدامة إحرامه مع بقاء الطواف فكذلك مع الوقوف ، فإنما كان مستديما لإحرامه مع بقاء الطواف ؛ لأنه مدرك للحج
بمكة ، فعل الطواف متى شاء وليس ، كذلك حال الوقوف لفوات الحج به ، وأنه لا يقدر على الإتيان به إلا في وقته فافترقا ، وأما ما استدل به
أبو يوسف من أنه لما جاز انتقال الإحرام من شهر إلى شهر ، جاز انتقاله من نسك إلى نسك ، قيل إنما جاز انتقاله من شخص إلى شخص : لأنه لم يعين الإحرام لشخص صح ، فجاز أن ينتقل في الحكم من شهر إلى شهر ، والإحرام لا به في تعيينه بنسك ، فلم يجز أن ينتقل بعد التعيين من نسك إلى نسك ، فإن قيل فقد نقلتم الإحرام من نسك إلى نسك ، وهو فيمن أحرم بالحج قبل أشهره ، قلتم إن إحرامه بالحج قد صار عمرة ؛ لوقوعه في غير أشهر الحج ، قيل : إنما منعنا من انتقال الإحرام المنعقد بنسك إلى نسك آخر ، والمحرم بالحج في غير أشهره ، انعقد إحرامه بعمرة إلا أنه انتقل بعد إحرامه بالحج إلى عمرة ، فإذا ثبت هذا فعليه أن يطوف ويسعى ويحلق ، فإن كان معه هدي نحره قبل حلاقه ، فإن ترك الحلاق فهل يتحلل بالطواف والسعي أم لا ، على قولين : إن قيل إن الحلق نسك كان على إحرامه حتى يحلق ويقصر ، وإن قيل : إنه إباحة بعد حظر فقد حل من إحرامه بالطواف والسعي ، فعلى هذا لو كان قد طاف وسعى قبل فوات الوقوف
بعرفة أجزأه السعي ، ولزمه إعادة الطواف بعد الفوات : لأن تحلله بعد الفوات لا يقع إلا به ، فأما السعي فمجزئ ، وإنما قال
الشافعي : ها هنا طواف وسعي لمن لم يكن قد سعى قبل الفوات ، وقد بين
الشافعي ذلك في كتاب الإملاء ، فلو أراد استدامة إحرامه إلى العام الثاني لم يجز : لأنه يصير محرما بالحج في غير أشهره ، والبقاء على الإحرام بالحج في غير أشهره كابتداء الإحرام بالحج في غير أشهره .