فصل :
وإن كان البلوغ والحرية بعد الوقوف بعرفة فهذا على ضربين :
أحدهما : أن يكون زمان الوقوف فائتا .
والثاني : أن يكون باقيا ، فإن كان زمان الوقوف فائتا لوجود البلوغ والحرية بعد طلوع الفجر من يوم النحر ، فيكون حجهما تطوعا ولا يجزئهما عن حجة الإسلام ؛ لوجود ما يتعلق به إدراك الحج ، وهو الوقوف قبل وجوب الحج ، فإن أمكنهما الحج في العام المقبل ، ووجدت شرائط الوجوب لزمهما فرض الحج ، وإن عدما شرائط الوجوب لم يلزمهما فرض الحج ولا دم عليهما في هذا الحج لا يختلف ؛ لأن حجة الإسلام لم تسقط عنهما ، فإن قيل : أليس لو أحرم الصبي بصلاة وقته ، ثم بلغ قبل السلام منها أجزأته عن فرضه ، وإن كان ما بقي منها أقلها فهلا
[ ص: 246 ] كان بلوغ الصبي في الحج يسقط عنه الفرض ، وإن كان ما بقي بعد البلوغ أقل ؟ قيل : لأن الصبي لو بلغ بعد فعل الصلاة سقط عنه فرضها ، فكذلك إذا بلغ في الصلاة وقد بقي منها أقلها ، والصبي لو بلغ بعد فعل الحج لم يسقط عنه فرض الحج فاعتبر أن يفعل بعد البلوغ ما يقع به إدراك الحج ، وإن كان زمان الوقوف باقيا ؛ لوجود البلوغ والحرية ليلة النحر ، فلا يخلو حالها من أحد أمرين : إما أن يرجعا بعد البلوغ والحرية إلى
عرفة أو لا يرجعا فإن رجعا إلى
عرفة فوقفا بها قبل طلوع الفجر أجزأهما ذلك عن حجة الإسلام ، وسقط عنهما فرض الحج ،
وهل عليهما دم أم لا ؟ على قولين : وإن لم يرجعا إلى
عرفة حتى طلع الفجر ، فمذهب
الشافعي أن حجهما يكون تطوعا ولا يجزئهما عن حجة الإسلام ؛ لوجود الوقوف قبل البلوغ والحرية في زمان يكمل فيه إدراك الحج .
وقال
أبو العباس بن سريج : قد سقط عنهما فرض الحج لوجود البلوغ والحرية في زمان الوقوف ، كما يسقط عنهما بوجوده قبل الوقوف ؛ لأن الوقوف بعد البلوغ والحرية يمكن ألا ترى أن البلوغ والحرية بعد الإحرام كالبلوغ والحرية قبل الإحرام ؛ لأن فعل الإحرام بعد البلوغ والحرية ممكن ، وهذا غير صحيح : لأن إدراك الحج وفواته يتعلق بفعل الوقوف دون زمان الوقوف : لأن من لم يقف
بعرفة بعد إدراك الزمان كان كمن لم يقف لفوات الزمان ، وإذا كان لذلك كان وجود البلوغ والحرية بعد الوقوف في زمان الوقوف كوجوده بعد الوقوف وبعد زمان الوقوف ، فأما الإحرام فإنما يعد من فرضه عن حين البلوغ والحرية دون ما تقدم قبل البلوغ والحرية ، فعلى هذا لو بلغ قبل الوقوف
بعرفة ، وكان قد سعى في بلوغه مع طواف القدوم فعلى مذهب
الشافعي عليه إعادة السعي
بعرفة ليكون السعي موجودا بعد بلوغه ، ولا يجزئه سعيه قبل بلوغه ، فإن لم يعد السعي كان تحلله صحيحا ، وكان فرض الحج عليه باقيا ، وعلى مذهب أبي العباس بن سريج : لا يلزمه إعادة السعي ، ويجزئه عن حجة الإسلام لقدرته عليه ، كما لا يلزمه إعادة الوقوف ويجزئه عن حجة الإسلام لقدرته عليه ، والله أعلم .