مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : "
ولا يفدي إلا من النعم " .
قال
الماوردي : وهذا صحيح ؛ لقوله تعالى :
فجزاء مثل ما قتل من النعم [ المائدة : 95 ] ، فعلق المثل بالنعم فانتفى عما سوى النعم ، والنعم : الإبل والبقر والغنم ، وهي التي تذبح في الأضاحي ، قال الله تعالى :
أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم [ المائدة : 1 ] قال
الشافعي : فلم أعلم مخالفا أنه غير الإبل والبقر والغنم والضأن ، وهي الأزواج الثمانية التي قال الله تعالى فيها :
ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين [ الأنعام : 143 ] ، ثم قال تعالى :
ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين [ الأنعام : 144 ] ، فهي بهيمة الأنعام ، فإذا أجزأ الصيد بالمثل من النعم لم يجز أن يدفعه حيا إلى الفقراء حتى ينحره في الحرم ، سواء أصاب الصيد في حل أو حرم ؛ لقوله تعالى :
هديا بالغ الكعبة : فإن دفعه إليهم حيا لم يجزه : لأنه متعبد بالجزاء من النعم وإراقة دمه في الحرم ، فإذا فعل أحدهما لم يجزه ، ثم ينظر فإن أعلم الفقراء أن ما دفعه إليهم هو جزاء الصيد فله استرجاعه من أيديهم ، فإذا استرجعه ونحره كان مخيرا بين دفعه إليهم أو إلى غيرهم ، ولا يلزمه بالدفع الأول أن يرده عليهم بعد النحر : لأنه لم يقع موقع الإجزاء فلم يكن له حكم ، وإن لم يعلمهم أنه هدي فليس له استرجاعه إلا أن يصدقوه والقول فيه قولهم مع أيمانهم : لأن ظاهر دفعه إليهم يوجب تمليكهم ، فإذا
ذبح الجزاء في الحرم فرق لحمه طارئا على فقراء الحرم ، وليس بما يعطى كل فقير منهم قدر محدود بالشرع ، وأقل ما يجزئه أن تفرقه على ثلاثة إن كان قادرا عليهم أو على من قدر عليه منهم ، ولو كان واحدا فلو دفعه إلى اثنين مع قدرته على الثالث كان ضامنا لذلك : لأنه دفع واجبا عليه إلى غير مستحقه ، وفي قدر ضمانه وجهان :
أحدهما : يضمن الثلاثة مساواة بين جميعهم فيه .
والثاني : أنه يضمن منه أقل ما يجزئ أن يعطي أحدهم من غير تقدير بالثلث : لأن المساواة بينهم في التفرقة لا تلزم .