فصل : وأما الفصل الثاني وهو
أن يقتل المحل صيدا ، فيجوز له ولكل محل أن يأكل منه ، فأما المحرم فإن لم تكن منه معونة في قتله ولا قتله الحلال من أجله فهو حلال له ، وإن كان من هذا المحرم معونة في قتله إما بدلا له أو آلة أو قتله الحلال من أجله إما عن إذنه أو غير إذنه ، فهو حرام على المحرم .
قال بعض الناس : هو حرام على المحرم بكل حال ، وقد حكي هذا القول عن
علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه : وقال
أبو حنيفة : هو حلال للمحرم ، وإن صيد من أجله أو أعان على قتله ، إلا أن يكون القاتل لا يصل إلى قتله إلا بمعونته مثل أن يدل القاتل
[ ص: 305 ] عليه وهو لا يعلم أو يدفع إلى القاتل آلة لولاها ما قدر القاتل على قتله فيكون المحرم حينئذ قاتلا يجب عليه الجزاء ويحرم عليه الأكل .
فأما من ذهب إلى تحريمه على المحرم بكل حال فاستدل بحديث
الصعب بن جثامة قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=922864أهديت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحم حمار وحشي ، وهو بالأبواء ، أو بودان ، فرده علي فلما رأى الكراهة في وجهي قال : إننا لسنا براديه عليك ولكنا حرم .
وأما
أبو حنيفة - حيث ذهب إلى إباحته للمحرم ، وإن صيد من أجله أو أعان على قتله - فاستدل بأن قال : لأنه صيد لم يضمنه المحرم فوجب ألا يحرم أكله على المحرم أصله ، إذا صاده المحل لنفسه بغير معونة المحرم ، والدلالة عليهما رواية
المطلب بن عبد الله بن جابر بن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=922865لحم صيد البر لكم حلال وأنتم حرم ما لم تصيدوه أو يصاد لكم ، فقوله : لحم صيد البر لكم حلال وأنتم حرم ، دلالة على من منع من أكله ، وقوله : ما لم تصيدوه ، أو يصاد لكم ، دلالة على
أبي حنيفة حيث قال : يجوز أن يأكله من صيد له .
وروى
عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه
nindex.php?page=hadith&LINKID=922866أنه كان مع قوم وهم محرمون فأصابوا حمارا وحشيا فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتوه فقال هل ضربتم أو أعنتم أو أشرتم ؟ قالوا : لا ، قال : فكلوا ، فلما سألهم عن الضرب والإعانة دل على أنه حرام عليهم بوجود الضرب والإعانة .
وروى
عمرو بن أبي سلمة عن أبيه قال : حج
عثمان بن عفان رضي الله عنه فلما بلغ
العرج أهدى له صاحب
العرج قطا مذبوحات ، فقال لأصحابه : كلوا ، ولم يأكل هو ، وقال : إنما صيد من أجلي .
ولأنه
صيد قتل بمعونة المحرم فوجب أن يحرم أكله على المحرم أصله ، إذا كان المحل لا يصل إلى قتله إلا بمعونة المحرم ، فأما حديث
الصعب بن جثامة فعنه جوابان :
أحدهما : أنه محمول على أنه قد صاده لرسول الله صلى الله عليه وسلم : فلذلك رده عليه وهو الأشبه بالحال .
والجواب الثاني : أنه إنما رده تنزيها ، وهو الأولى بالمحرم .
وأما قياس
أبي حنيفة على الصيد إذا قتله المحل بغير معونة المحرم ، فالمعنى ما ذكرنا في قياسنا .