مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : " وما قتل من الصيد لإنسان فعليه جزاؤه للمساكين وقيمته لصاحبه ولو جاز إذا تحول حال الصيد من التوحش إلى الاستئناس أن يصير حكمه حكم الأنيس جاز أن يضحي به ويجزي به ما قتل من الصيد وإذا توحش الإنسي من البقر والإبل أن يكون صيدا يجزيه المحرم ولا يضحي به ولكن كل على أصله " .
قال
الماوردي : وهذا كما قال ،
إذا قتل المحرم صيدا مملوكا فعليه جزاؤه للمساكين وقيمته لمالكه ، وبه قال
أبو حنيفة وعامة الفقهاء ، وقال
المزني ومالك : عليه قيمته لمالكه ولا
[ ص: 325 ] جزاء فيه بحال ، وجعلا ملكه واستئناسه مخرجا له من حكم الصيد الوحشي إلى حكم الحيوان الإنسي استدلالا بشيئين :
أحدهما : أن قالوا : لأنه حيوان مملوك فوجب أن لا يجب في قتله الجزاء ، كالنعم من الإبل والبقر والغنم .
والثاني : أن قالوا : الجزاء بدل والقيمة بدل ، ولا يجمع بدلان في متلف واحد في وقت واحد ، فلما وجبت القيمة سقط الجزاء ، ودليلنا : قوله تعالى :
لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم [ المائدة : 95 ] ، فأوجب الجزاء في جنس الصيد : لأن الألف واللام تدخلان للجنس إذا لم يكن معهودا يعم المملوك وغير المملوك ، ولأنه حيوان منع من قتله لحرمة الإحرام ، فوجب أن يجب عليه الجزاء بقتله ، كالصيد الذي لم يملك ، ولأنه حق لله يجب في قتل حيوان غير مملوك ، فوجب أن يجب في قتل حيوان مملوك كالرقبة في كفارة القتل ، ولأنه لو خرج بالاستئناس عن حكم الصيد إلى حكم الإنسي حتى لا يجب في قتله الجزاء لوجب أن يصير كالإنس في جواز الأضحية به ، ولوجب إذا توحش الإنسي من النعم أن يصير في حكم الصيد ، فيجب في قتله الجزاء ، ولا تجوز الأضحية به ، فلما كان الإنسي إذا توحش على حكم أصله ، والوحش إذا تأنس أن لا تجوز الأضحية به على حكم أصله : وجب أن يكون في إيجاب الجزاء على حكم أصله .
وأما قياسهم على النعم فالمعنى في النعم : أن الجزاء لما لم يجب فيما توحش منه لم يجب في غيره ، وليس كذلك الصيد .
وأما قولهم : إن بدلين لا يجتمعان في مبدل واحد ، فالجواب أن يقال : إنما لا يجتمعان في مبدل واحد إذا اتفقا ، فأما مع اختلافهما ، فيجوز اتفاقهما كما تجتمع الدية والكفارة في قتل الآدمي .