مسألة :
شراء الماء للوضوء
قال
الشافعي : " وإن وجده بثمن في موضعه وهو واجد للثمن غير خائف إن اشتراه الجوع في سفره فليس له أن يتيمم ، وإن أعطيه بأكثر من الثمن لم يكن له أن يشتريه ويتيمم " .
قال
الماوردي : وهذا كما قال إذا
عدم الماء في سفره ثم وجده يباع ، فلا يخلو حاله من أحد أمرين :
إما أن يكون واجدا لثمنه أو غير واجد ، فإن كان غير واجد لثمنه صار عاجزا عن استعمال الماء ، وأجزأه التيمم ، فلو
بذل له الماء بثمن في الذمة يؤديه إذا قدر عليه لم يلزمه أن يشتريه سواء كان مالكا لقدر الثمن في موضع آخر أم لا : لأنه قد يجوز أن يهلك المال قبل وصوله إليه ، فيصير الدين متعلقا بذمته فعلى هذا يتيمم ويصلي ويجزئه .
فإن قيل : لو
عدم ثمن الرقبة في الكفارة بمكانه الذي هو فيه ، وكان مالكا لثمنه بمكان آخر أجزأه أن يصوم .
قلنا : لا يجزئه الصيام ، ولا يلزمه شراء الرقبة في مكانه بالدين ، ويؤخرها إلى أن يصل إلى المال ، فيشتري ويعتق ، والفرق بينهما أن الصلاة موقتة لا يجوز تأخيرها عن وقتها ، فإذا عجز عن الطهارة بالماء عدل إلى الطهارة بالتراب ، وليس وقت الكفارة مضيقا ، ويجوز تأخيرها عن مكان إلى مكان ، وإن كان واجدا للثمن ، فإن كان محتاجا إليه في نفقته وزاده كان في حكم العادم له ، فيتيمم ويجزئه ، وإن كان غير محتاج إليه ، فلا يخلو أن يكون الماء مبذولا بثمن مثله ، أو بأكثر ، فإن بذل له الماء بأكثر من ثمن مثله بمكانه في غالب أحوال السلامة ، لا في وقت الانقطاع والقلة لم يلزمه أن يشتريه ، وجاز له أن يتيمم ويصلي : لأن الطلب للماء أكثر من ثمن مثله في حكم المانع منه ، وسواء كانت الزيادة المطلوبة عن ثمن المثل كثيرة أو قليلة : لأنه لو لزم بذل اليسير للزمه بذل الكثير ، ولأفضى الأمر به إلى خروجه من جميع ملكه ، وهذا عدول عما يقتضيه الشرع ، ورفع الخروج في المعتدل .
فإن قيل : لو
بذلت له الرقبة بأكثر من ثمن مثلها .
[ ص: 289 ] قلنا : لا يلزمه أن يشتريها ولا يجوز له أن يصوم ويتوقف حتى يجدها بثمن مثلها لما ذكرنا من الفرق بين الصلاة وبينها ، وإن
بذل له الماء بثمن مثله في غالب أحوال السلامة لزمه أن يشتريه ، ولا يجوز له أن يتيمم : لأن القدرة على البدل في حكم القدرة على المبدل ، ألا ترى أن القادر على ثمن الرقبة في حكم القادر على الرقبة في الكفارة ، والقادر على ثمن الزاد والراحلة في حكم القادر على الزاد والراحلة في الحج ، والقادر على صداق الحرة في حكم القادر على الحرة في تحريم نكاح الأمة ، وإن كان كذلك صار القادر على ثمن الماء في حكم القادر على الماء فلزمه شراؤه واستعماله فلم يجز أن يتيمم .