فصل : [
بيان موضع البيع ]
فأما ذكر موضع المبيع ، فيختلف بحسب اختلاف المبيع .
فإن كان المبيع مما لا ينقل كالأرض والعقار ، فلا بد من ذكر البلد الذي فيه ، فيقول : بعتك دارا
بالبصرة أو
بغداد : لأن بذكر البلد ، يتحقق ذكر الجنس ، ويصير في جملة المعلوم .
فأما ذكر البقعة من البلد ؟ ففيه وجهان :
أحدهما : يلزم ذكرها .
والثاني : لا يلزم ذكرها ؟ لأن البقعة تجري مجرى الصفة .
فأما إن كان المبيع الغائب مما ينقل ويحول كالعبد والثوب ، فلا بد من ذكر البلد الذي هو فيه : لأن القبض يتعجل إن كان البلد قريبا ، ويتأخر إن كان البلد بعيدا ، فافتقر العقد إلى ذكره : ليعلم به تعجيل القبض من تأخيره .
فأما ذكر البقعة من البلد ، فلا يلزم : لأن البلد الواحد لا يختلف أطرافه كالبلاد المختلفة . فإذا ذكر له البلد الذي هو فيه ، فالواجب أن يسلمه إليه في ذلك البلد لا في غيره ، فإن
شرط المشتري على البائع أن يسلمه إليه في البلد الذي تبايعا فيه وهو في غيره لم يجز ، وكان البيع فاسدا .
فإذا قيل : أليس لو
شرط في السلم أن يسلمه في بلد بعينه جاز ، فهلا جاز مثل ذلك في العين الغائبة ؟ .
[ ص: 22 ] قيل : لأن السلم مضمون في الذمة ، وليس يختص بموضع دون غيره ، فاستوى جميع المواضع فيه ، فافتقر إلى ذكر الموضع الذي يقع القبض فيه ، وليس كذلك العين الغائبة ، لأنها غير مضمونة في الذمة ، وهي معينة قد اختصت بموضع هي فيه فلم يجز اشتراط نقلها إلى غيره : لأنه يصير تبعا وشرطا في معنى
بيع ثوب على أنه على البائع خياطته ، أو طعام أن على البائع طحنه .
هل
العقد قبل الرؤية تام أم لا ؟
فإذا
عقد بيع العين الغائبة على الوصف المشروط فيه .
فقد اختلف أصحابنا هل يكون العقد تاما قبل الرؤية أم لا ؟ على وجهين :
أحدهما : وهو قول
أبي إسحاق المروزي : أن العقد ليس بتام قبل الرؤية : لأن تمام العقد يكون بالرضا به ، وقبل الرؤية لم يقع الرضا به ، فلم يكن العقد تاما ، فعلى هذا ، لو مات أحدهما بطل العقد ، ولم يقم وارثه مقامه : لأن العقود غير اللازمة ، تبطل بالموت ، وكذلك لو جن أحدهما ، أو حجر عليه بسفه بطل العقد .
وعلى هذا لكل واحد من البائع والمشتري أن يفسخ العقد قبل الرؤية .
والوجه الثاني : وهو قول
أبي علي بن أبي هريرة : أن العقد قد تم قبل الرؤية بالبذل والقبول ، وإنما فيه خيار المجلس ما لم يتفرقا ، كسائر البيوع .
فعلى هذا لو مات أحدهما لم يبطل العقد ، وقام وارثه مقامه وكذلك لو جن أحدهما ، أو حجر عليه بسفه ، لم يبطل العقد وقام وليه مقامه .
وعلى هذا ليس لواحد منهما بعد الافتراق وقبل الرؤية أن يفسخ العقد .