مسألة : قال
الشافعي : " ولو
كان مع رجل ماء فأجنب رجل وطهرت امرأة من [ ص: 291 ] حيض ، ومات رجل ولم يسعهم الماء كان الميت أحبهم إلي أن يجودوا بالماء عليه ، ويتيمم الحيان ، لأنهما قد يقدرا على الماء ، والميت إذا دفن لم يقدر على غسله ، فإن كان مع الميت ماء فهو أحقهم به ، فإن خافوا العطش شربوه ويمموه وأدوا ثمنه في ميراثه " .
قال
الماوردي : وصورة هذه المسألة : في
ثلاثة جمعهم السفر ، ولزمهم الغسل وهم جنب وحائض وميت ، فلا يخلو حالهم من ثلاثة أمور :
أحدها : أن يجدوا من الماء ما يكفيهم جميعهم فعلى الحيين أن يغسلا الميت ، فإن كان الميت رجلا كان فرض غسله على الرجل ، وإن كانت امرأة كان فرض غسلها على المرأة ثم يغتسل الحيان بعد غسل الميت ، فإن قدما غسل أنفسهما جاز ثم يصليان على الميت ويدفناه .
والحال الثانية : أن لا يجدوا من الماء شيئا فعليهما أن يومما الميت ، ويتيمما لأنفسهما ويصليا على الميت ، ويدفناه .
والحال الثالثة : أن يجدوا من الماء ما يكفي أحدهم لا غير ، فلا يخلو ذلك عن أحد أمرين :
إما أن يكون ذلك الماء ملكا لأحدهم أم لا ، فإن لم يكن ملكا لأحدهم بل وجدوه مباحا أو دفعه إليهم إنسان وقال يستعمل هذا الماء أحدكم ، فهذه مسألة الكتاب ، وإذا كان كذلك فالميت أولاهم به ، وأحب إلينا أن يجودوا بالماء عليه لمعنيين : أحدهما : ما ذكره
الشافعي من أن طهارة الميت هي خاتمة أمره ، وليس يقدر على غسله بعد دفنه ، وليس طهارة الحيين خاتمة أمرهما ، وهما يقدران على الماء بعد تيممهما . والثاني : بأن طهارة الميت تطيبا لا محالة عند لقاء ربه وطهارة الحي لأداء الصلاة التي تؤدى بالتيمم كأدائها بالماء .
فلو
كان بأحد الحيين نجاسة ، فقد اختلف أصحابنا هل الميت أولى به من صاحب النجاسة على وجهين ذكرهما
أبو إسحاق المروزي .
أحدهما : أن الميت أولى للتعليل الأول في أنها خاتمة أمره .
والثاني : أن صاحب النجاسة أولى به على التعليل الثاني : لأن فرضه مع النجاسة لا يسقط تيممه ، فلو أن
الواجد للماء جنب وحائض ، فقد اختلف أصحابنا في أيهما أولى به على ثلاثة أوجه .
أحدها : أن الجنب أولى به : لأن وجوب طهارته بالنص .
[ ص: 292 ] والثاني : أن الحائض أولى به : لأن حدثها أغلظ .
والثالث : أنهما سواء : لاستوائهما في ذلك من وجوب الغسل . فلو أن
الواجد للماء جنب ومحدث : فإن كان الماء يكفي المحدث ، ولا يكفي الجنب فالمحدث أولى : لأن فيه تكميل طهارته ، وإن كان يكفي الجنب ولا يفضل من الحدث ففيه وجهان :
أحدهما : أن الجنب أولى به ، لأن حدثه أغلظ .
والثاني : أنهما سواء : لأن كل واحد منهما ممنوع من الصلاة ، وإن كان يكفي الجنب ويفضل من المحدث ففيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أن الجنب أولى لغلظ حدثه .
والثاني : أن المحدث أولى لبقاء بعض الماء بعد طهارته .
والثالث : أنهما سواء وهذا الذي وصفنا طريقه الأولى ، فلو
تغلب أحد الحيين على الماء فاستعمله دون الميت ، أو غلب من ليس بأولى على من هو أولى كان مسيئا وطهارته مجزئة .