مسألة : قال
الشافعي - رحمه الله تعالى - : " وما أكل أو شرب مما لا يكال ولا يوزن فلا يباع منه يابس برطب ، قياسا عندي على ما يكال ويوزن مما يؤكل أو يشرب ، وما يبقى ويدخر أو لا يبقى ولا يدخر ، وكان أولى بنا من أن نقيسه بما يباع عدا من غير المأكول من الثياب والخشب وغيرها ، ولا يصلح على قياس هذا القول رمانة برمانتين عددا ولا وزنا ولا سفرجلة بسفرجلتين ، ولا بطيخة ببطيختين ، ونحو ذلك ويباع جنس منه بجنس من غيره متفاضلا وجزافا يدا بيد ، ولا بأس برمانة بسفرجلتين ، كما لا بأس بمد حنطة بمدين من تمر ونحو ذلك " .
قال
الماوردي : اعلم أن
المأكولات كلها ضربان : ضرب استقر في العرف كيله أو وزنه ، فهذا فيه الربا على قوله في القديم والجديد معا .
وضرب استقر في العرف أنه
غير مكيل ولا موزون كالرمان والسفرجل ، والبطيخ ، والقثاء والبقول ، فعلى قوله في القديم : لا ربا فيه ويجوز بيع بعضه ببعض متفاضلا ومتماثلا ، رطبا ويابسا ، عاجلا وآجلا ، وعلى قوله في الجديد : فيه الربا ، فعلى هذا يمنع من التفاضل والنساء في الجنس الواحد منه .
ثم لا يخلو حال ما كان رطبا من المأكولات من الفواكه والبقول من أحد أمرين :
[ ص: 103 ] إما أن يكون أغلب منافعها في حال يبسها وادخارها كالرطب الذي يصير تمرا ، والعنب الذي يصير زبيبا ، فلا يجوز أن يباع الجنس الواحد منه رطبه بيابسه ، كما لا يجوز بيع التمر بالرطب حتى إذا صار يابسا مدخرا بيع بعضه ببعض يدا بيد .
وإما أن يكون أغلب منافعه في حال رطوبته كالرمان والسفرجل والبطيخ والبقول فقد اختلف أصحابنا في جواز بيع بعضه ببعض رطبا .
فذهب
أبو العباس إلى جواز بيع بعضه ببعض رطبا إذا اعتبر فيه التماثل بالكيل والوزن إلحاقا باللبن الذي يجوز بيع بعضه ببعض قبل الادخار واليبس : لأن أغلب منافعه في حال رطوبته .
وذهب جمهور أصحابنا وهو الظاهر من منصوص
الشافعي إلى أنه لا يجوز بيعه رطبا برطب ، ولا يابسا برطب ، حتى يصير يابسا مدخرا : لأن بعضه إذا يبس مختلف ، والاعتبار فيه بالمنفعة وخالف الألبان والمائعات من الأدهان : لأنها لا تيبس بأنفسها .
وكان
أبو علي بن أبي هريرة يجعل مذهب
أبي العباس قولا
للشافعي ، ويخرج المسألة على قولين :
أحدهما : جواز ذلك وهو المحكي عن
أبي العباس تعلقا بأن
الشافعي قال في موضع من كتاب البيوع : ولا يجوز بيع البقل المأكول من صنفه إلا مثلا بمثل فعلى هذا القول يعتبر فيه المماثلة : فإن كان ما يتجافى في المكيال كالبطيخ والرمان اعتبرت فيه المماثلة بالوزن ، وإن كان مما لا يتجافى في المكيال كالنبق والعناب ففيه وجهان :
أحدهما : أنه يعتبر فيه المماثلة بالوزن : لأنه أحصر من الكيل .
والوجه الثاني : يعتبر فيه المماثلة بالكيل : لأنه المنصوص عليه في كتاب الأصل .
والقول الثاني : وهو الصحيح من المذهب ، والمشهور من قول
الشافعي : إن بيع ذلك رطبا لا يجوز بجنسه ، فعلى هذا لا يجوز أن تباع رمانة برمانتين لظهور التفاضل ، ولا رمانة برمانة لعدم التماثل ، لكن يجوز بيع رمانة بسفرجلتين يدا بيد لاختلاف الجنسين .
فصل : فأما
ما يكون مأكوله في جوفه كالجوز واللوز فلا يجوز بيع بعضه ببعض عددا ، ولا كيلا ، ولا وزنا لأن المقصود منه اللب ، والقشر يختلف .
فإذا خرج عن قشره حتى صار لبا فردا جاز بيع بعضه ببعض كيلا إن كان مكيلا ووزنا إن كان موزونا ، فأما مع اختلاف الجنسين فلا بأس به وإن كان في قشره . وهذا نص
الشافعي .