قال
الماوردي : واعلم أن المأكولات قد تختلف جهات أكلها على أنواع ستة :
أحدها :
ما يؤكل قوتا كالبر والشعير ، ويتبع هذا النوع التمر والزبيب .
والثاني :
ما يؤكل أدما كالزيتون والبصل وقد يلحق بهذا النوع الألبان والأدهان .
والثالث :
ما يؤكل إبزارا كالكمون والفلفل ، وقد يدخل في هذا النوع الملح .
والرابع :
ما يؤكل تفكها كالرمان والسفرجل . وقد يضاف إلى هذا النوع الخضر .
والخامس :
ما يؤكل حلوا كالسكر والعسل .
والسادس :
ما يؤكل دواء كالإهليلج والبليلج فيجري الربا في جميعها حتى يجمع بين السقمونيا والبر في حصول الربا فيهما .
وإن كان البر يؤكل قوتا عاما ، والسقمونيا تؤكل دواء نادرا لوجود علة الربا فيهما على سواء ، فما كان من هذه المأكولات مكيلا أو موزونا ثبت فيه الربا على العلتين معا ، وما كان منه غير مكيل ولا موزون ثبت فيه الربا على علته في الجديد دون القديم ، وعليه يقع التفريع ، وأما
ما كان مأكول البهائم كالحشيش والعلف فلا ربا فيه : لأن التعليل بالأكل متوجه إلى أكل الآدميين دون البهائم .
فأما
ما يشترك في أكله الآدميون والبهائم فالواجب أن يعتبر فيه أغلب حالتيه ، فإن كان الأغلب منهما أكل الآدميين ففيه الربا اعتبارا بأغلب حالتيه كالشعير الذي قد يشترك في أكله الآدميون والبهائم ، وأكل الآدميين له أغلب ، فثبت فيه الربا ، وإن كان الأغلب من حالتيه أكل البهائم فلا ربا فيه كالعلف الرطب الذي قد ربما أكله الآدميون عند تقديمه .
وإن استوت حالتاه فكان أكل البهائم له كأكل الآدميين من غير أن تكون إحدى الحالتين أغلب ، فقد اختلف أصحابنا فيه على وجهين :
أحدهما : لا ربا فيه لأن الصفة لم تخلص .
والثاني : فيه الربا وهو الصحيح لوجود الصفة وحصول الزيادة .
فصل : وإذا تقرر هذا الأصل فسنوضحه بالتفريع عليه وذكر ما اختلف أصحابنا فيه .
اعلم أن الريحان ، والنيلوفر ، والنرجس ، والورد ، والبنفسج ، لا ربا فيها : لأنها قد تتخد مشمومة إلا أن يريب شيء منها بالسكر أو بالعسل كالورد المعمول جلجبين فيصير فيه الربا لأنه صار مأكولا . واختلف أصحابنا في
ماء الورد ، هل فيه الربا أم لا على وجهين :
أحدهما : لا ربا فيه اعتبارا بأصله .
[ ص: 105 ] والثاني : فيه الربا لأنه قد يستعمل في الطعام مأكولا .
فأما العود ، والصندل ، والكافور ، والمسك ، والعنبر ، فلا ربا في شيء منها : لأنها طيب غير مأكول .
وأما الزعفران ففيه وجهان :
أحدهما : لا ربا فيه : لأن المبتغى منه لونه كالعصفر .
والثاني : فيه الربا : لأنه مأكول وطعمه مقصود .
فأما الأترج والليمون والنارنج ففيه الربا : لأنه وإن كان طيبا ذكيا فهو مأكول والأكل أغلب حالتيه .
فأما العشار والأشج فلا ربا فيهما وكذلك الشيح لأنها تستعمل بخورا . وأما اللبان والعلك ففيهما الربا ، لأن الأكل أغلب حالتيهما ، وكذلك المصطكى .
وأما اللوز المر والحبة الخضراء والبلوط ففيها الربا : لأنها مأكولة وإن كانت مباحة النبت ، وكذلك القثاء وحب الحنظل .
فأما القرطم وحب الكتان ففيهما وجهان :
أحدهما : أن فيهما الربا : لأنهما قد يؤكلان .
والثاني : وهو أصح أنه لا ربا فيهما : لأن الأغلب من أحوالهما عدم الأكل وإن أكلا نادرا .
وأما الطين فإن كان أرمنيا ففيه الربا : لأنه يؤكل دواء ، وكذلك إن كان مختوما .
وإن كان من غير الأدوية كالطين الذي قد ربما أكله بعض الناس شهوة ، فلا ربا فيه : لأن أكله ممنوع منه فصار أكله كأكل التراب .
فأما الأدوية التي لا تؤكل وإنما تستعمل من خارج البدن طلاء أو ضمادا ، فلا ربا فيها لفقد الصفة .
واختلف أصحابنا في الصمغ فأثبت بعضهم فيه الربا ، ونفى عنه بعضهم الربا لأنه طلاء .
وأما البذور التي لا تؤكل إلا بعد نبتها ، كبذر الجزر والبصل والفجل والسلجم ، ففيها وجهان :
أحدهما : فيها الربا : لأنها فرع لمأكول وأصل لمأكول .
والثاني : لا ربا فيها : لأنها غير مأكولة في أنفسها فجرت مجرى العجم والنوى الذي لا ربا فيه ، وإن كان فرعا لمأكول وأصلا لمأكول .
[ ص: 106 ] والوجه الأول أصح ، بخلاف النوى : لأن النوى لا يؤكل بحال ، وهذه البذور تؤكل ، وإنما يؤخر أكلها طلبا لإكمال أحوالها كالطلع والبلح .