مسألة : قال
الشافعي - رحمه الله تعالى - : " ولا بأس بخل العنب مثلا بمثل فأما خل الزبيب فلا خير في بعضه ببعض ، مثلا بمثل ، من قبل أن الماء يقل فيه ويكثر ، فإذا اختلفت الأجناس فلا بأس " .
قال
الماوردي : وهذا صحيح .
ومقدمات هذا الفصل أن التمر والرطب جنس واحد والزبيب والعنب جنس واحد ، وأن الماء هل فيه الربا أم لا ؟ على وجهين لأصحابنا :
أحدهما : فيه الربا : لأنه مطعوم .
والثاني : لا ربا فيه : لأنه مباح الأصل في غالب الأحوال لا يتحول ، ولذلك قلنا إن من غصب ماء فتوضأ به جاز ، ولو غصب رقبة فأعتقها لم يجز ، فإذا ثبت هذا
فبيع خل العنب [ ص: 112 ] بخل العنب جائز لحصول التماثل في غالب أحواله . وليس له غاية يخاف عليه التفاوت فيها فصار كالأدهان ، وأما
خل الزبيب بخل الزبيب فلا يجوز : لأن فيهما ما يمنع من التماثل لجواز أن يكون الماء في أحدهما أكثر منه في الآخر ، فيفضي إلى التفاضل في الجنس الواحد ، وكذلك
بيع خل التمر بخل التمر لا يجوز : لما فيه من الماء المانع من التماثل ، وكذلك
بيع خل الرطب بخل الرطب لا يجوز بخلاف خل العنب : لأن خل العنب عصير ، لا يخالطه الماء ، وخل الرطب لا يصح إلا بمخالطة الماء .
فأما
بيع خل العنب بخل الزبيب فلا يجوز أيضا : لأن الزبيب والعنب جنس واحد وفي أحدهما ما يمنع من التماثل ، وكذلك بيع خل الرطب بخل التمر لا يجوز : لأن فيهما ما يمنع من التماثل ، ولكن بيع خل العنب بخل التمر والرطب جائز : لأنهما جنسان لا يحرم التفاضل بينهما .
فأما
بيع خل الزبيب بخل الرطب والتمر فعلى وجهين مبنيين على ثبوت الربا في الماء .
أحدهما : يجوز على الوجه الذي يقول إن الماء لا ربا فيه : لأن الزبيب والتمر جنسان .
والوجه الثاني : أنه لا يجوز إذا قيل إن في الماء الربا : لجواز أن يكون الماء الذي في أحدهما أكثر منه في الآخر .
وكان
أبو علي بن أبي هريرة يخرج قولا ثانيا في الخل أن جميعه جنس واحد كاللبن ، فيمنع على هذا القول من بيع خل التمر بخل الزبيب بكل حال .
وامتنع سائر أصحابنا من تخريج هذا القول ، وقالوا : إن الخل أجناس كأصوله .