فصل : يسير الدم وكثيره المعفو عنه وضابطه
وأما
المعفو عن يسيره من النجاسات فدم البراغيث لإجماع السلف عليه ، وتعذر التحرز منه ، وأما غيره من سائر الدماء ففي العفو عن يسيره قولان نص عليهما في الجديد .
أحدهما : يعفى عن يسيرها قياسا على دم البراغيث فإن تمييز الدماء شاق فعلى هذا ماء القروح أولى بالعفو .
والقول الثاني : لا يعفى عن شيء منها قياسا على البول ، وخالف دم البراغيث " من وجهين :
أحدهما : أن دم البراغيث عام وغيره من الدماء خاص .
والثاني : أن التحرز من دم البراغيث متعذر ومن غيره من الدماء ممكن فعلى هذا في العفو عن ماء القروح وجهان ، بحسب اختلاف الوجهين في الفرق بين دم البراغيث وغيره :
أحدهما : يعفى عنه : لأن التحرز منه متعذر .
والثاني : لا يعفى عنه : لأنه نادر . وقال
أبو العباس بن سريج فيما سوى دم البراغيث مذهبا ثالثا : وهو أن دم نفسه معفو عن يسيره : لأن التحرز منه متعذر ، ودم غيره غير معفو عن يسيره : لأن التحرز منه متعذر فإذا تقرر ما وصفنا من حال النجاسة التي يعفى عن يسيرها انتقل الكلام إلى
حد اليسير فيها ، أما دم البراغيث فيسيره معتبر بالعرف من غير حد ، ولا تقدير فما كان في عرف الناس وعاداتهم يسيرا كان معفوا عنه ، وما كان في العرف يسيرا فاحشا لم يعف عنه ، أما غيره في الدماء وماء القروح ففي اليسير منها قولان حكيا عن
الشافعي في القديم .
أحدهما : أنه معتبر بعرف الناس أيضا كدم البراغيث .
والثاني : أنه محدود بقدر الكف . فإذا ثبت ما وصفنا من الفرق بين يسير ما يعفى عنه وبين كثيره فاعلم أنه معفو عنه إذا أصاب الثوب أو البدن ، فأما إن وقع في الماء فغير معفو عنه بحال : لأن التحرز منه في الماء ممكن ، وإنما التحرز منه في الثوب والبدن متعذر .