مسألة : قال
الشافعي - رحمه الله تعالى : " فكذلك لا يجوز بيع رطب برطب : لأنهما في المتعقب مجهولا المثل تمرا " .
قال
الماوردي : وهذا كما قال .
بيع الرطب بالرطب لا يجوز . وقال
مالك ،
وأبو حنيفة ، وصاحباه ،
والمزني : يجوز .
استدلالا بأن الرطب أكثر منافعه ، فجاز بيع بعضه ببعض رطبا وإن نقص بعد يبسه كاللبن ، ولأن نقصان الرطب إذا بيع بالرطب من طرفيه جميعا ، فتساويا في حال كونهما رطبا ، وتساويا بعد جفافهما تمرا .
فلما جاز بيعهما تمرا لتساويهما في الجفاف جاز بيع رطبهما لتساويهما في الرطوبة .
ودليلنا قوله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923009 " أينقص الرطب إذا يبس ؟ . قالوا نعم . قال : فلا إذا " . فجعل علة المنع حدوث النقصان فيما بعد ، وهذه العلة موجودة في بيع الرطب بالرطب كوجودهما في بيع التمر بالرطب .
ولأنه لما كان النقص في بيع الرطب بالتمر من أحد الطرفين مانعا من البيع ، كان النقص في بيع الرطب بالرطب من الطرفين معا أولى أن يكون مانعا من البيع . ولأن الجهل بالتماثل كالعلم بالتفاضل ، فلما كان العلم بالتفاضل في بيع التمر بالرطب مانعا من صحة البيع لنقصان الرطب إذا صار تمرا ، وجب أن يكون
الجهل بالتماثل في بيع الرطب بالرطب مانعا من صحة البيع لجواز أن يكون نقص أحد الطرفين أكثر من نقص الآخر إذا صار تمرا ، والكلام في هذه المسألة يختص
بمالك والمزني ومن وافقنا في المنع من بيع التمر بالرطب .
[ ص: 135 ] فأما
أبو حنيفة فالكلام معه في هذه المسألة مبني على الكلام في التي قبلها . وأما الجواب عن استدلالهم باللبن ، فهو أن أكمل منافع اللبن يوجد إذا كان لبنا . فجاز بيع بعضه ببعض لكمال منافعه ، وليس كذلك الرطب : لأن كمال منافعه يكون إذا يبس ، إذ كل شيء أمكن أن يعمل من الرطب أمكن أن يعمل من التمر ، وليس كل شيء أمكن أن يعمل من اللبن أمكن أن يعمل من الجبن والمصل .
وأما الجواب عن استدلالهم بأن نقصهما قد استوى من الطرفين فهو ما ذكرناه دليلا أن ذلك أبلغ في المنع . على أنهما لا يستويان في النقص إذا نقص الرطب يختلف باختلاف أنواعه ويتباين بتباين أزمانه .
فصل : فإذا ثبت أن بيع الرطب بالرطب لا يجوز ، وبيع التمر بالرطب لا يجوز ، فكذا
كل ما يصير رطبا وتمرا لا يجوز بيعه بالرطب ، ولا بالتمر ، كالبلح والخلال ، والبسر ، لا يجوز بيعه برطب ولا بتمر ، وكذا كل ما يتخذ من التمر والرطب كالدبس والناطق لا يجوز بيعه بالتمر والرطب ، ولا بما يصير تمرا ورطبا كالبلح والخلال والبسر .
فأما
بيع الطلع بالرطب والتمر ، فقد اختلف فيه أصحابنا على ثلاثة مذاهب :
أحدها : جوازه : لأنه لم ينعقد فشابه بيع القصيل بالحنطة .
والثاني : لا يجوز بخلاف القصيل بالحنطة : لأن نفس الطلع يصير رطبا وتمرا ، وليس يصير نفس القصيل حنطة ، وإنما تنعقد فيه الحنطة .
والثالث : وهو أصح أنه إن كان من طلع الفحول جاز كالقصيل : لأنه لا يصير رطبا .
وإن كان من طلع الإناث لم يجز : لأنه يصير رطبا .
وكان
أبو العباس بن سريج يجيز بيع الرطب الذي لا يصير تمرا بمثله : لأنها حال كمال منافعه كاللبن . وليس هذا صحيحا : لأن النادر من الجنس يلحق بالغالب منه في الحكم .