مسألة : قال
الشافعي - رحمه الله تعالى - : " فإن وجد بالدنانير أو الدراهم عيبا فهو بالخيار ؛ إن شاء حبس الدنانير بالدراهم ، سواء قبل التفرق أو بعده أو حبس الدراهم بالدنانير أو نقض البيع " .
قال
الماوردي : اعلم أن
الصرف على ضربين : معين ، وفي الذمة . فأما ما كان في الذمة فيأتي من بعد . وأما
المعين فصورته أن يقول : قد بعتك هذه العشرة دنانير بعينها بهذه المائة درهم بعينها . فيلزم كل واحد منهما دفع ما تعين بالعقد .
فلو
قبض المشتري الدنانير بعينها فوجدها معيبة ، لم يخل حال عيبها من أحد أمرين :
[ ص: 140 ] إما أن يخرجها العيب من جنس الذهب أو لا يخرجها .
فإن أخرجها من جنس الذهب ، كأن وجد الدنانير نحاسا أو وجدها فضة مطلية ، فالصرف في المعيب باطل : لأنه اشترى غير ما وقع عليه العقد ، كمن اشترى ثوبا على أنه قطن فكان كتانا . وإذا كان الصرف في المعيب باطلا لم يخل حال المعيب من أحد أمرين :
إما أن يكون جميع الدنانير أو بعضها . فإن كان جميعها فالصرف باطل ، ويسترجع المشتري جميع الثمن . وإن كان بعضها معيبا كان الصرف في المعيب باطلا . وهل يبطل في الباقي أم لا ؟ على قولين من تفريق الصفقة :
أحدهما : باطل أيضا إذا لم يجز تفريق الصفقة ، ويسترجع المشتري جميع الثمن .
والثاني : جائز إذا قيل بجواز تفريق الصفقة ، فعلى هذا يكون المشتري بالخيار لتفريق الصفقة عليه بين فسخ العقد فيه واسترجاع الثمن ، وبين إمضاء البيع فيه والإقامة على الجيد منه . وبماذا يقيم ؟ على قولين :
أحدهما : بحسابه من الثمن وقسطه .
والثاني : بجميع الثمن وإلا فسخ . وكذا لو كان العيب في الدراهم دون الدنانير ، كان الجواب واحدا والخيار للبائع .
ولو كان المبيع جنسا واحدا كدراهم بدراهم أو دنانير بدنانير ، ثم وجد بأحدهما عيبا يخرجها من الجنس ، وكان العيب في بعضها ، وقيل بصحة العقد في الجيد الباقي منها ، كان له إمساكه بحسابه من الثمن قولا واحدا لا يختلف .
والفرق بينهما أن الجنس الواحد يحرم فيه التفاضل ، فلو قيل بأخذه بجميع الثمن حصل التحريم بالتفاضل ، وليس كذلك الجنسان في جواز التفاضل .
فهذا الكلام في العيب إذا كان يخرجها من الجنس .
فصل : فأما إذا كان العيب لا يخرجها من الجنس ، كأنه اشترى دنانير على أنها مغربية ، فكانت مشرقية ، أو على أنها ذهب أحمر فكانت ذهبا أصفر ، فالصرف لا يبطل بهذا العيب لوجود العين وحصول الجنس ، كمن اشترى ثوبا على أنه مروي فوجده هروي .
ولا يجوز له إبدال المعيب : لأن البدل لم يتناوله العقد .
وإذا كان كذلك نظر إلى العيب ، إما أن يكون في جميع الدنانير أو بعضها . فإن كان في جميعها كان للمشتري الخيار في فسخ الصرف واسترجاع الثمن أو المقام عليه بجميع الثمن من غير أرش العيب : لأن الأرش لا يستحق مع القدرة على الرد .
وإن كان العيب في بعضها ، فإن رضي بالعيب وأمسك الجميع بكل الثمن كان ذلك
[ ص: 141 ] له . فإن فسخ الصرف في الجميع واسترجع جميع الثمن كان له ، وإن أراد فسخ الصرف في المعيب ، وإمساكه في الجيد السليم كان على قولين من تفريق الصفقة :
أحدهما : لا يجوز : إذا قيل إن تفريق الصفقة لا يجوز ، ويكون مخيرا بين أمرين :
إما أن يمسك الجميع أو يفسخ الجميع .
والقول الثاني : يجوز إذا قيل : إن تفريق الصفقة يجوز .
فعلى هذا يكون مخيرا بين ثلاثة أشياء :
إما أن يفسخ في الكل ، أو يقيم على الكل ، أو يفسخ في المعيب ويقيم على السليم بحسابه من الثمن قولا واحدا .
فإن قيل : ما الفرق بين هذا حيث أخذه بحسابه من الثمن قولا واحدا ، وبين أن يكون عيب بعضها يخرجها من الجنس فيكون فيما يأخذها به قولان .
قيل : الفرق بينهما أن هاهنا قد كان له المقام على الكل بجميع الثمن ، وإنما فسخ في البعض المعيب وأقام على البعض السليم طلبا للحظ ، فلو قيل يأخذه بجميع الثمن ، كان فسخ المعيب سفها ، وليس كذلك إذا كان المعيب من غير الجنس : لأن البيع قد بطل فيه ، فلم يكن له أن يأخذه بكل الثمن فجاز في أحد القولين أن يأخذ السليم بجميع الثمن .