فصل : فأما البيض فنوعان :
بيض طير ، وبيض سمك .
فأما بيض الطير فلا يكون صنفا من لحوم الطير : لأن البيض أصل للحيوان ، فلم يجز أن يكون صنفا من اللحم الذي هو فرع الحيوان . فعلى هذا إذا قيل : إن اللحم أصناف فالبيض أولى أن يكون أصنافا ، وإذا قيل : إن اللحمان صنف واحد ، ففي البيض وجهان ، وأما
بيض السمك فهل يكون نوعا من لحم السمك ؟ فيه وجهان :
[ ص: 156 ] أحدهما : أنه صنف غير السمك ، كما أن بيض الطير صنف غير لحم الطير .
والثاني : أنه نوع من لحم السمك : لأنه يؤكل معه حيا وميتا .
وإذا وضح ما ذكرنا من تفصيل اللحوم ، وما اتصل بها من الشحوم ، فإن قلنا : إنها أصناف جاز بيع الصنف منها بصنف آخر ، متماثلا ومتفاضلا ، رطبا ويابسا ، وزنا وجزافا ، كلحم الغنم بلحم البقر ، لكن يدا بيد ، وإن قلنا : هي صنف واحد ، أو كان ذلك من الصنف الواحد ، لم يجز أن يباع بعض ببعض إلا يابسا بيابس متماثلا بالوزن .
فأما بيع بعضه ببعض رطبا فغير جائز ، وقال
أبو العباس بن سريج : يجوز كما جاز بيع الفواكه الرطبة بعضها ببعض ؟ احتجاجا بأن معظم منافعه موجود في حال رطوبته كاللبن . وهذا غير صحيح : لأن ما يوجد من منافع اللحم في حال رطوبته موجودة فيه عند يبسه ، ومنافع اللبن الرطب لا توجد فيه عند يبسه ، فإذا ثبت أن
بيع اللحم الرطب باللحم الرطب لا يجوز ، إذا كان من صنف واحد ، أو قيل إن اللحمان صنف واحد ، فإذا انتهى إلى غاية يبسه ، وبلغ أقصى جفافه ، جاز حينئذ بيع بعضه ببعض ، بخلاف التمر الذي يجوز بيعه بالتمر إذا بلغ أول جفافه وإن لم ينته إلى غاية يبسه .
والفرق بين اللحم والتمر من وجهين :
أحدهما ، وهو قول
الشافعي : أن اللحم باللحم يباع وزنا ، ويسير النداوة فيه تؤثر في وزنه ، والتمر بالتمر يباع كيلا ، ويسير النداوة فيه لا تؤثر في كيله .
والفرق الثاني : أن ادخار التمر في أول جفافه يمكن ، وادخار اللحم في أول جفافه غير ممكن ، فصار التمر في أول الجفاف مدخرا ، واللحم في أول الجفاف غير مدخر .
قال
الشافعي : فإن حمل اللحم اليابس في بلد كثير الندى ، وكان ما أصابه من الندى يزيد في وزنه لم يجز بيع بعضه ببعض .
فأما
اللحم إذا كان في خلاله عظم فهل يمنع من بيعه باللحم أم لا ؟ على وجهين :
أحدهما : لا يمنع كما لا يمنع النوى إذا كان في التمر من بيعه بالتمر .
والوجه الثاني ، وهو أصح : أن العظم في اللحم يمنع من بيعه باللحم ، وفارق النوى في التمر : لأن بقاء النوى في التمر من صلاحه ، وليس بقاء العظم في اللحم من صلاحه .
فأما
الجلد إذا كان على اللحم فإن كان غليظا لا يؤكل معه منع من بيعه باللحم ، وإن كان رقيقا يؤكل معه كجلود الجداء والدجاج ، فهل يمنع إذا كان على اللحم من بيعه باللحم ؟ على وجهين كالعظم
فأما
لحوم الحيتان فلا يجوز بيع الصنف الواحد منها بعضها ببعض طريا ولا نديا ولا مملوحا : لأن الملح يمنع من المماثلة ولكن يباع بعضه ببعض إذا بلغ غاية يبسه غير مملوح ، إلا أن تقول إن الحيتان أصناف ، فإذا اختلف الصنفان منها كان بيع أحدهما بالآخر طريا ومملوحا . والله أعلم بالصواب .