فصل : فإن صح ما ذكرنا فلا يخلو حال الحيوان من أحد أمرين : إما أن يكون مأكولا ، أو غير مأكول : فإن كان مأكولا فلا يجوز بيعه باللحم بحال ، سواء كان اللحم من جنسه كلحم الغنم بالغنم ، أو من غير جنسه كلحم الطير بالغنم ، وكذلك لا يجوز بيع لحم الجزور بالعصفور ، وفي جواز بيعه بالسمك ، وجهان من اختلاف أصحابنا في السمك ، هل هو صنف من اللحم أم لا ؟ وفي جواز
بيع اللحم بالسمك الحي أيضا وجهان :
أحدهما : لا يجوز : لأنه لحم لحيوان .
والثاني : يجوز : لأن حي السمك في حكم ميته بخلاف الحيوان ، فأما
إن كان الحيوان غير مأكول كالبغل والحمار ، ففي جواز بيعه باللحم قولان :
أحدهما : لا يجوز : لعموم النهي ، وبه قال من أصحابنا من زعم أن دليل المسألة اتباع السنة .
والقول الثاني : أنه يجوز : لأنه حيوان ليس فيه لحم مأكول ، وبهذا قال من أصحابنا من زعم أن دليل المسألة اتباع القياس .
فأما
بيع الشحم بالحيوان ، فعلى وجهين مخرجين من هذين القولين :
أحدهما : يجوز إذا قيل إن طريق المسألة اتباع السنة : لأن السنة خصت اللحم دون الشحم .
والثاني : لا يجوز إذا قيل إن طريقها القياس : لأن في الحيوان شحما ، وكذا بيع الحيوان بالكبد والطحال على هذين الوجهين . وأما
بيع الحيوان بالجلد والعظم فيجوز على الوجهين : لأن الجلد والعظم ما لا ربا فيه بخلاف اللحم ، وكذا
بيع البيض بالدجاج يجوز على الوجهين معا بخلاف اللحم : لأن اللحم بعض الحيوان ، وليس البيض بعض الدجاج ،
وكذا بيع اللبن بالحيوان يجوز ، فإن قيل : فاللبن عند العرب لحم : روي أن نبيا شكا إلى الله عز وجل الضعف ، فأوحى إليه أن كل اللحم باللحم . يعني : اللبن باللحم ، وقال الشاعر :
[ ص: 160 ] نطعمها اللحم إذا عز الشجر والخيل في إطعامها اللحم ضرر
يعني أن تطعمها اللبن عند عزة المرعى ، فلما كان اللبن عند العرب لحما ، ثم ثبت بالشرع أن بيع اللحم بالحيوان لا يجوز ، فلذا بيع اللبن بالحيوان لا يجوز . قيل : إنما سمت العرب اللبن لحما على طريق الاستعارة والمجاز ، وليس بلحم على الحقيقة ، لا في الشرع ولا في اللغة ، ألا ترى إلى جواز بيع اللحم باللبن متفاضلا ، وأنه لا يحنث إذا حلف لا يأكل لحما فأكل لبنا ، والأحكام إذا علقت بالأسماء تناولت الحقيقة دون المجاز ، والله أعلم بالصواب .