مسألة : قال
الشافعي رحمه الله تعالى : " فإذا كان لا يصلحها إلا السقي فعلى المشتري تخلية البائع وما يكفي من السقي ، وإنما له من الماء ما فيه صلاح ثمره " .
قال
الماوردي : وهذا كما قال :
إذا استحق البائع ترك الثمرة على نخل المشتري إلى وقت الجذاذ ، فقد تحتاج الثمرة إلى ما يصلحها من السقي ، فيجب على المشتري تمكينه من السقي ، لما قد استحقه من إصلاح ثمرته ، وإذا كان كذلك فلا يخلو حال السقي من أحد أمرين :
إما أن يكون ممكنا أو متعذرا .
فإن كان السقي ممكنا لم يخل حاله من أربعة أقسام :
أحدها : أن يكون نافعا للنخل والثمرة ، فللبائع أن يسقي وعلى المشتري أن يمكنه ، ومؤنة السقي على البائع دون المشتري : لما فيه من صلاح ثمرته ، وإن كان لنخل المشتري فيه صلاح : لأن الأغلب من حال السقي صلاح الثمرة والنخل تبع .
والفرق بين هذا وبين أن يبيع صاحب النخل ثمرته فيجب سقيها على صاحب النخل دون مشتري الثمرة ، أن
من باع ثمرة وجب عليه تسليمها بمنافعها ، ومن منافعها السقي فوجب على بائعها دون المشتري لها ، وليست هذه الثمرة الحاصلة لبائع النخل بالتأبير مضمونة على صاحب النخل بالتسليم ، فلم يجب عليه السقي ، فلو امتنع البائع في مسألتنا من سقي ثمرته لم يجبر عليه ، وقيل لمشتري النخل إن أردت سقي نخلك فاسقه ولا نجبرك عليه .
[ ص: 171 ] والحال الثانية : أن يكون السقي مضرا بالنخل والثمرة ، فإن أراد صاحب النخل أن يسقي كان لصاحب الثمرة أن يمنعه : لأنه لا ينفعه ويضر غيره .
وإن أراد صاحب الثمرة أن يسقي كان لصاحب النخل أن يمنعه : لأنه لا ينفعه ويضر غيره .
فلو قال صاحب الثمرة : أريد أن آخذ الماء الذي كنت أستحقه لسقي ثمرتي فأسقي به غيرها من الثمار أو الزرع لم يجز ، وكذا لو أخذ ثمرته قبل وقت جذاذها ، لم يكن له أن يأخذ الماء الذي كان يستحقه لسقيها إلى وقت الجذاذ : لأنه إنما كان يستحق من الماء ما فيه صلاح تلك الثمرة دون غيرها .
والحال الثالثة : أن يكون السقي نافعا للنخل مضرا بالثمرة ، فقد اختلف أصحابنا ،
هل لصاحب النخل أن يسقي مع ما في السقي من مضرة الثمرة ؟
فحكي عن
أبي إسحاق المروزي أنه قال : لصاحب الثمرة أن يمنعه من السقي لما فيه من مضرة الثمرة ، فإذا منعه كان لصاحب النخل فسخ العقد لما يلحقه في منع السقي من المضرة .
وحكي عن
أبي علي بن أبي هريرة أنه قال : لصاحب النخل أن يسقي ويجبر صاحب الثمرة على تمكينه لما فيه من حقوق ملكه ولا خيار ، ثم مؤنة السقي هاهنا على صاحب النخل لاختصاصه بالمنفعة .
والحال الرابعة : أن يكون السقي نافعا للثمرة مضرا بالنخل ، فعلى قول
أبي إسحاق المروزي لصاحب الثمر أن يسقي لصلاح ثمرته ، ولصاحب النخل فسخ البيع : لما يلحقه من الإضرار بنخله .
وعلى قول
أبي علي بن أبي هريرة له أن يسقي ثمرته جبرا ، ولا خيار لصاحب النخل . فلو اختلفا في قدر السقي لم يرجع فيه إلى واحد منهما ، وسئل أهل الخبرة بالثمرة ، فما ذكروا أنه قدر كفايتها كان على صاحب النخل تمكينه منه دون الزيادة عليه أو التقصير عنه .