مسألة : قال
الشافعي رحمه الله تعالى : " فإذا كانت الشجرة مما تكون فيه الثمرة ظاهرة ، ثم تخرج منها قبل أن تبلغ الخارجة ثمرة غيرها ، فإن تميز فللبائع الثمرة الخارجة وللمشتري الحادثة ، وإن كان لا يتميز ، ففيها قولان : أحدهما : لا يجوز البيع إلا أن يسلمه البائع الثمرة كلها ، فيكون قد زاده حقا له ، أو يتركه المشتري للبائع فيعفو له عن حقه ، والقول الثاني : أن البيع مفسوخ ، وكذلك قال في هذا الكتاب وفي الإملاء على مسائل
مالك مفسوخ ، وهكذا قال في بيع الباذنجان في شجره والخربز " .
قال
الماوردي : ذكر
الشافعي رحمه الله في الأم مسألتين نقل
المزني إحداهما ، وأغفل المقدمة منهما ، فكان الأولى البداية بما أغفله ليكون جواب الأخرى مبنيا عليها . وصورتها في
رجل باع ثمرة شجر أو بطيخ مزاح أو حمل باذنجان فلم يأخذه المشتري من شجره ، ولا لقط البطيخ من مزاحه حتى حدثت ثمرة أخرى ، فالحادثة ملك البائع لا يملكها المشتري .
فإن كانت الحادثة تتميز عن الأولى بلون أو صغر أو نضج ، أخذ المشتري الثمرة المتقدمة ، وأخذ البائع الثمرة الحادثة وليس بينهما نزاع .
وإن كانت الحادثة لا تتميز عن الأولى فقد صار المبيع مختلطا بغيره ، ففي البيع قولان منصوصان :
[ ص: 173 ] أحدهما : أن البيع باطل : لأن المبيع قد اختلط بما لم يتميز عنه قبل استقرار القبض ، فأوقع ذلك جهالة في البيع فأبطله ، ولا يلزم المشتري أن يستحدث هبة ما لم يتناوله العقد ليصح له العقد .
والقول الثاني : أن البيع لا يبطل ، لكن يقال للبائع : اسمح للمشتري بالثمرة الحادثة ، فإن سمح له بها لزم المشتري قبولها ، وإن شح البائع بها وأقاما على الاختلاف والتنازع فيها فسخ الحاكم البيع بينهما .
ووجه هذا القول أن امتياز البائع عن غيره من حين العقد إلى وقت القبض يمنع من طرق الفساد عليه بعد القبض كالاستهلاك ، وسماحة البائع بالحادثة لا تجري مجرى الهبة التي لا يلزم قبولها : لأن المقصود بها نفي الجهالة وتصحيح العقد ، فشابهت الزيادة المتصلة كالكبر والسمن .
وأما المسألة الثانية وهي مسألة الكتاب فصورتها في
رجل باع أرضا ذات شجر مثمر ، أو باع الشجر وحده وفيه ثمر ، فحكم بالثمر للبائع لأجل التأبير ، وبالشجر مع الأرض للمشتري ، فحدثت ثمرة أخرى قبل أن يتناول البائع ثمرته ، فإن كانت الحادثة تتميز عن الأولى بصغر أو بلون ، أو نضج كانت الأولى للبائع والحادثة للمشتري ، والبيع على حاله .
وإن كانت الحادثة لا تتميز عن الأولى ، نقل
المزني في البيع قولين كالمسألة الأولى ، فاختلف أصحابنا فكان
أبو علي بن خيران يمنع من تخريجها على قولين ، وينسب
المزني إلى الغلط في نقله ، ويقول : البيع صحيح قولا واحدا .
لأن اختلاط الحادثة بالمتقدمة اختلاط في غير المبيع : لأن عقد البيع إنما يتناول الأرض والشجر ، وما كان عليه من الثمرة لم يدخل في العقد ، وما حدث من الثمرة لا يوجد وقت العقد ، فلا يوقع ذلك فسادا في العقد .
وكان
أبو إسحاق المروزي ، وطائفة يخرجون هذه المسألة على قولين :
أحدهما : أن العقد باطل لما ذكرنا .
والثاني : جائز ، ويقال للمشتري : اسمح بالحادثة ، فإن سمح لزم البيع ، وإن شح بها ، قيل للبائع : أتسمح بالمتقدمة للمشتري ، فإن سمح بها ( له ) لزم البيع ، وإن شح وتنازعا فسخ الحاكم البيع بينهما .
وما ذكره
ابن خيران أصح جوابا وتعليلا ، وإن كان نقل
المزني صحيحا ، والإذعان للحق أولى من نصر ما سواه ، وعلى ما يقتضيه مذهب
ابن خيران إن تراضيا واتفقا على قدر
[ ص: 174 ] الحادثة من المتقدمة ، وإلا فالقول قول صاحب اليد ولا يفسخ البيع : لأنه لا يجعل لما حدث تأثيرا في البيع .