مسألة : قال
الشافعي رحمه الله تعالى : " وكل أرض بيعت فللمشتري جميع ما فيها من بناء وأصل ، والأصل ما له ثمرة بعد ثمرة من كل شجر مثمر وزرع مثمر " .
قال
الماوردي : وجملة ذلك أن
من ابتاع أرضا ذات بناء وشجر لم يخل حال ابتياعه من ثلاث أحوال :
إما أن يشترط دخول البناء والشجر في البيع لفظا ، فيدخل .
وإما أن يشترط خروجه لفظا ، فيخرج .
وإما أن يطلق العقد ، ويقول ابتعت منك هذه الأرض ، فنص
الشافعي في البيع أن ما في الأرض من بناء وشجر يدخل في البيع ، ونص في الرهن أن ما في الأرض من بناء وشجر لا يدخل في الرهن ، فاقتضى لاختلاف نصه في الموضعين أن اختلف أصحابنا في المسألتين على ثلاث طرق :
إحداها : وهي طريقة
أبي الطيب بن سلمة ،
وأبي حفص الوكيل ، أن نقلوا جوابه في البيع إلى الرهن وجوابه في الرهن إلى البيع ، وخرجوا المسألتين على قولين لاختلاف نصه في الموضعين .
أحدهما : أن البناء والشجر لا يدخل في البيع ولا في الرهن جميعا ، كما لا تدخل الثمرة المؤبرة في البيع ولا في الرهن .
والقول الثاني : أن البناء والشجر يدخل في البيع والرهن جميعا ، بخلاف الثمرة المؤبرة : لأن الثمرة المؤبرة تستبقى مدة صلاحها ، ثم تزال عن نخلها وشجرها فصارت كالشيء المتميز ، فلم تدخل إلا بالشرط ، والبناء والشجر يراد للتأبير ، والبناء يجري مجرى أجزاء الأرض فصار داخلا في العقد .
والطريقة الثانية : وهي طريقة
أبي العباس ، وهو أنه جعل اختلافه اختلاف نصفه في الموضعين على اختلاف حالين :
[ ص: 177 ] فجعل ما نص عليه من دخول ذلك في البيع محمولا على أنه لو قال : بعتك الأرض بحقوقها ، يدخل في البيع البناء والشجر : لأنه من حقوق الأرض ، ولو قال مثله في الرهن لدخل . وجعل ما نص عليه من خروج ذلك من الرهن محمولا على أنه قال : رهنتك الأرض ولم يقل بحقوقها ، فلم يدخل في الرهن البناء والشجر : لأنه أطلق ، ولو فعل مثله في البيع لم يدخل ، ولا فرق بين البيع والرهن .
والطريقة الثالثة : وهي طريقة
أبي إسحاق المروزي ،
وأبي علي بن أبي هريرة ، وجمهور أصحابنا أن حملوا جوابه في كل واحد من الموضعين على ظاهره ، وجعلوا البناء والشجر داخلا في البيع بغير شرط ، ولم يجعلوه داخلا في الرهن إلا بالشرط ، وفرقوا بين البيع والرهن بفرقين :
أحدهما : أن عقد البيع يزيل الملك ، فجاز أن يكون ما اتصل بالمبيع تبعا له لقوته ، وعقد الرهن يضعف عن إزالة الملك ، فلم يتبعه ما لم يسمه لضعفه .
والثاني : أنه لما كان ما حدث في البيع للمشتري جاز أن يكون ما اتصل به من قبل المشتري ، ولما كان ما حدث في الرهن لا يدخل في الرهن اقتضى أن يكون ما تقدم الرهن أولى أن لا يدخل في الرهن .