فصل :
الماء المستعمل إذا بلغ قلتين
فإذا بلغ الماء المستعمل قلتين ، فإن كان قلتين وقت استعماله كجنب اغتسل في قلتين من ماء ، فالماء طاهر ، وخارج عن حكم المستعمل : لأنه ليس رفع الحدث به بأغلظ من وقوع النجاسة فيه إذا كان قلتين لا يغير حكمه ما لم يتغير فكذلك الاستعمال ، فأما إن كان وقت الاستعمال أقل من قلتين ثم جمع بعد استعماله قلتين فقد اختلف أصحابنا فيه هل يصير مطهرا أم لا ؟ على وجهين :
أحدهما : وهو قول
أبي العباس أنه غير مطهر : لأنه حكم ثبت لقلته مع طهارته ، فلم ينتف عن كثيره كسائر المائعات الطاهرة .
والوجه الثاني : وهو قول
أبي إسحاق المروزي أنه يصير مطهرا : لأن حكم النجاسة أغلظ في الاستعمال من الحدث ، فلما كان جمع القليل حتى يصير كثيرا ينفي عنه حكم النجاسة ، فأولى أن ينفي عنه حكم الاستعمال .
فصل : ثم إذا صار الماء مستعملا فقد اختلف أصحابنا
هل يجوز أن يزال به الأنجاس : على وجهين :
أحدهما : وهو قول
أبي القاسم الأنماطي وأبي علي بن خيران أنه يجوز أن تزال به النجاسة : لأن للماء حكمين في التطهير :
أحدهما : في رفع الحدث .
والثاني : في إزالة النجس ، فإذا استعمل في أحدهما وهو رفع الحدث لم يسقط الحكم الآخر في إزالة النجس . قيل لهم : فعلى هذا التعليل يلزمكم أن تقولوا إذا استعمل في إزالة النجس أنه يجوز استعماله في رفع الحدث فاختلفوا فقال بعضهم أقول بذلك ، والتزم هذا السؤال ، وقال بعضهم : لا أقول بذلك : لأن إزالة النجس أغلظ من رفع الحدث ، فجاز أن يكون الأغلظ رافعا لحكم الأخف ، ولم يجز أن يكون الأخف رافعا لحكم الأغلظ .
والوجه الثاني : وهو قول
أبي العباس بن سريج وأبي إسحاق المروزي وأبي علي بن أبي هريرة وجمهور أصحابنا لا يجوز استعماله في إزالة النجس : لأنه لما صار بالاستعمال مانعا من رفع الحدث صار كسائر المائعات التي لا تزيل النجس ، ولأنه لا يخلو حال التطهير بعد الاستعمال من أن يكون حكمه باقيا أو مرتفعا ، فإن كان باقيا صح في الطهارتين ، وإن كان مرتفعا زال عن الطهارتين .